مشهد أردني مضطرب
المشهد الأردني كما المشهد الإقليمي يحتشد بالتحولات الكبرى على مستوى السياسة والاقتصاد والاجتماع، وحتى على مستوى المخاطر وما يستتبعها من اضطراب تتعدد مظاهره وأسبابه وصيغه.. وتتعدد أسباب وعوامل هذا الاضطراب، ولعل من أمثلتها ما يلي:
1. ابتعاد خيارات النظام الجيواستراتيجية عن رغبات الشارع في كثير من المفاصل، ومن أبرزها أن معاهدة وادي عربة باتت خطا أحمر؛ مما يعني أن على الأردنيين ألا يحلموا بحكومة يمكن أن تفكر بتجميد هذه المعاهدة، فكيف بإلغائها؟
بسبب تجذر حتى ثقافة الاستبداد فقد أثرت هذه الخيارات الجيواستراتيجية على قضية الديمقراطية والإصلاح السياسي.. فالسياسات الحكومية تنطلق من هذه الثقافة، وتقوم على الإقصاء وشيطنة الآخر والأحزاب السياسية.. وفي هذا المناخ أصبح الفساد منهجاً وسياسة راسخة.. وشرعت الأبواب لقوى الفساد لتنخر في كل مفاصل الدولة، واختطفت الدولة أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا حتى أخلاقياً.. وكانت النتيجة ما نشهده من انهيار في قيم الحكم وأعرافه؛ فضلا عن انهيارات في منظومة القيم والأخلاق الناظمة للحياة الاجتماعية.. وباتت تنعكس في ما نعانيه من حالة غير مسبوقة من العجز والارتباك في مؤسسات النظام والمجتمع على حد سواء!
2. عدم الثقة بوعي الشعب وإخلاصه ووطنية أبنائه، واختلاف المصالح والمعتقدات والاتجاهات والانتماءات وشيوع حالة عسيرة من الإنكار.. مما يفسر تناقض التصريحات الموجهة للخارج مع تلك الموجهة للداخل، ففي الداخل هناك احترام للاخوان المسلمين باعتبارهم جزءاً من النظام اﻷردني، وينبغي أن يكونوا جزءاً من العملية السياسية؛ وفي الخارج تصبح المعركة الأهم للنظام الأردني هي إيقاف مد الإسلاميين ومنعهم من الوصول إلى السلطة في المنطقة بكاملها. وهم «جماعة الزبيب.. ذئاب في ثوب حملان.. وأساليبهم ماسونية»، وقد أدت حالة الاستهتار بالشعب حد اتهامه بعدم الجدارة والجهل.. وحتى عدم القدرة على التفريق بين اليسار واليمين؛ مما يعني أن هذا الشعب الأردني غير مؤهل للحرية والديمقراطية والعمل الحزبي والسياسي.. حتى غير جدير بالكرامة!
3. النهج السلطوي وممارسة العنف والقمع والاعتقال التعسفي بلغت حد اعتقال طلاب المدارس وتحويلهم إلى محكمة الأحداث «بتهمة تقويض نظام الحكم».. فضلا عن التردد في عملية الإصلاح وتعثر المسار الديمقراطي بعد أن تم اختزال الديمقراطية في انتخابات ديكورية وصندوق اقتراع مصمم على مقاسات ما يريده النظام عبر آليات القانون الانتخابي، والتزوير الممنهج وهندسة النتائج لإبقاء خيوط اللعبة بيد قوى معينة تحركها كما تشاء.. كلها ساهمت في ما نشهده من ارتفاع منسوب القهر وعدم الرضى.. «كشفت دراسة نشرت في 31 /3/ 2013 حول «معرفة توجهات المجتمع الأردني بعد الانتخابات حول الأحزاب والبرلمان» أن 60 في المئة من الأردنيين يرون أن الإصلاح يسير ببطء شديد، وأن ما نسبته 1ر51 في المئة غير راضين عن قانون الانتخاب والإجراءات الانتخابية».
4. ارتفاع أحجام المديونية والتضخم والعجز المتصاعد في الميزانية وصل إلى (11 في المئة) من إجمالي الناتج المحلي.. بالإضافة إلى ترهل الإدارة وتأجيل مواجهة المشكلات وترحيلها من مرحلة لأخرى.. مما ساهم في تفاقم المشاكل الاجتماعية وفشل الحكومات المتعاقبة في التخفيف من معاناة الأردنيين وخاصة في مجالي الفقر والبطالة!
ولكن وبالرغم من كل ما تقدم من عوامل الاضطراب (وغيرها)، ورغم ما وصل إليه الأردنيون من إحباط ويأس وانعدام الأمل بالمستقبل.. إلا أن النظام ما يزال يبالغ في رهاناته على قدرتهم على الاحتمال.. وما تزال سياسة إشغال الرأي العام، والالتفاف على المطالب الوطنية في الإصلاح مستمرة .. وأصبحت الديمقراطية مسرحية هزلية.. ومجلس الأمة مهندس جينياً، والدولة أقرب ما تكون لمملكة مطلقة.
وما تزال قوى الشد العكسي ومؤسسات الدولة العميقة تتكفل بتعطيل كل مبادرات الإصلاح [نستحضر في هذا السياق مآلات الوثائق الإصلاحية التي صدرت بتوافق وطني واسع، ومنها الميثاق الوطني واﻷجندة الوطنية وغيرها مما تم تعطيلها من قبل رموز الحرس القديم وأركان الدولة العميقة باعتبارها قفزة إلى المجهول».. مما أدى إلى اتساع فجوة الثقة، وزاد الأزمة تفاقماً، والأوضاع تعقيداً!
في هذا المشهد بكل ما يحفل به من اضطراب فإن استعادة التوازن تقتضي من النظام وأجهزته إطلاق مبادرة جدية وحقيقية لإعادة بناء جسور الثقة، وبناء العلاقة مع الشعب على قاعدة الاحترام.. وهذا يقتضي تطوير الخطاب السياسي لجميع الأطراف وترميم البيت الداخلي الأردني مع التوقف عن تصنيف الأردنيين وأحاديث المحاصصة والتمييز والإقصاء.. كما لا بد من التأسيس لأوضاع دستورية وقانونية تُؤهل الأردنيين لحياة برلمانية وتشريعية، تنقل السلطات فعليا لأصحابها الشرعيين، على قاعدة: «الشعب مصدر السلطات».. والانطلاق من إنتاج قانون انتخابي يشكل رافعة أساسية للإصلاح ويتيج الفرصة الواسعة لتقوية الأحزاب والائتلافات السياسية، ويكون مفتاحاً لإعادة صياغة الأردن الديمقراطي.. ودولة العدالة وسيادة القانون!
1. ابتعاد خيارات النظام الجيواستراتيجية عن رغبات الشارع في كثير من المفاصل، ومن أبرزها أن معاهدة وادي عربة باتت خطا أحمر؛ مما يعني أن على الأردنيين ألا يحلموا بحكومة يمكن أن تفكر بتجميد هذه المعاهدة، فكيف بإلغائها؟
بسبب تجذر حتى ثقافة الاستبداد فقد أثرت هذه الخيارات الجيواستراتيجية على قضية الديمقراطية والإصلاح السياسي.. فالسياسات الحكومية تنطلق من هذه الثقافة، وتقوم على الإقصاء وشيطنة الآخر والأحزاب السياسية.. وفي هذا المناخ أصبح الفساد منهجاً وسياسة راسخة.. وشرعت الأبواب لقوى الفساد لتنخر في كل مفاصل الدولة، واختطفت الدولة أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا حتى أخلاقياً.. وكانت النتيجة ما نشهده من انهيار في قيم الحكم وأعرافه؛ فضلا عن انهيارات في منظومة القيم والأخلاق الناظمة للحياة الاجتماعية.. وباتت تنعكس في ما نعانيه من حالة غير مسبوقة من العجز والارتباك في مؤسسات النظام والمجتمع على حد سواء!
2. عدم الثقة بوعي الشعب وإخلاصه ووطنية أبنائه، واختلاف المصالح والمعتقدات والاتجاهات والانتماءات وشيوع حالة عسيرة من الإنكار.. مما يفسر تناقض التصريحات الموجهة للخارج مع تلك الموجهة للداخل، ففي الداخل هناك احترام للاخوان المسلمين باعتبارهم جزءاً من النظام اﻷردني، وينبغي أن يكونوا جزءاً من العملية السياسية؛ وفي الخارج تصبح المعركة الأهم للنظام الأردني هي إيقاف مد الإسلاميين ومنعهم من الوصول إلى السلطة في المنطقة بكاملها. وهم «جماعة الزبيب.. ذئاب في ثوب حملان.. وأساليبهم ماسونية»، وقد أدت حالة الاستهتار بالشعب حد اتهامه بعدم الجدارة والجهل.. وحتى عدم القدرة على التفريق بين اليسار واليمين؛ مما يعني أن هذا الشعب الأردني غير مؤهل للحرية والديمقراطية والعمل الحزبي والسياسي.. حتى غير جدير بالكرامة!
3. النهج السلطوي وممارسة العنف والقمع والاعتقال التعسفي بلغت حد اعتقال طلاب المدارس وتحويلهم إلى محكمة الأحداث «بتهمة تقويض نظام الحكم».. فضلا عن التردد في عملية الإصلاح وتعثر المسار الديمقراطي بعد أن تم اختزال الديمقراطية في انتخابات ديكورية وصندوق اقتراع مصمم على مقاسات ما يريده النظام عبر آليات القانون الانتخابي، والتزوير الممنهج وهندسة النتائج لإبقاء خيوط اللعبة بيد قوى معينة تحركها كما تشاء.. كلها ساهمت في ما نشهده من ارتفاع منسوب القهر وعدم الرضى.. «كشفت دراسة نشرت في 31 /3/ 2013 حول «معرفة توجهات المجتمع الأردني بعد الانتخابات حول الأحزاب والبرلمان» أن 60 في المئة من الأردنيين يرون أن الإصلاح يسير ببطء شديد، وأن ما نسبته 1ر51 في المئة غير راضين عن قانون الانتخاب والإجراءات الانتخابية».
4. ارتفاع أحجام المديونية والتضخم والعجز المتصاعد في الميزانية وصل إلى (11 في المئة) من إجمالي الناتج المحلي.. بالإضافة إلى ترهل الإدارة وتأجيل مواجهة المشكلات وترحيلها من مرحلة لأخرى.. مما ساهم في تفاقم المشاكل الاجتماعية وفشل الحكومات المتعاقبة في التخفيف من معاناة الأردنيين وخاصة في مجالي الفقر والبطالة!
ولكن وبالرغم من كل ما تقدم من عوامل الاضطراب (وغيرها)، ورغم ما وصل إليه الأردنيون من إحباط ويأس وانعدام الأمل بالمستقبل.. إلا أن النظام ما يزال يبالغ في رهاناته على قدرتهم على الاحتمال.. وما تزال سياسة إشغال الرأي العام، والالتفاف على المطالب الوطنية في الإصلاح مستمرة .. وأصبحت الديمقراطية مسرحية هزلية.. ومجلس الأمة مهندس جينياً، والدولة أقرب ما تكون لمملكة مطلقة.
وما تزال قوى الشد العكسي ومؤسسات الدولة العميقة تتكفل بتعطيل كل مبادرات الإصلاح [نستحضر في هذا السياق مآلات الوثائق الإصلاحية التي صدرت بتوافق وطني واسع، ومنها الميثاق الوطني واﻷجندة الوطنية وغيرها مما تم تعطيلها من قبل رموز الحرس القديم وأركان الدولة العميقة باعتبارها قفزة إلى المجهول».. مما أدى إلى اتساع فجوة الثقة، وزاد الأزمة تفاقماً، والأوضاع تعقيداً!
في هذا المشهد بكل ما يحفل به من اضطراب فإن استعادة التوازن تقتضي من النظام وأجهزته إطلاق مبادرة جدية وحقيقية لإعادة بناء جسور الثقة، وبناء العلاقة مع الشعب على قاعدة الاحترام.. وهذا يقتضي تطوير الخطاب السياسي لجميع الأطراف وترميم البيت الداخلي الأردني مع التوقف عن تصنيف الأردنيين وأحاديث المحاصصة والتمييز والإقصاء.. كما لا بد من التأسيس لأوضاع دستورية وقانونية تُؤهل الأردنيين لحياة برلمانية وتشريعية، تنقل السلطات فعليا لأصحابها الشرعيين، على قاعدة: «الشعب مصدر السلطات».. والانطلاق من إنتاج قانون انتخابي يشكل رافعة أساسية للإصلاح ويتيج الفرصة الواسعة لتقوية الأحزاب والائتلافات السياسية، ويكون مفتاحاً لإعادة صياغة الأردن الديمقراطي.. ودولة العدالة وسيادة القانون!