حكومة قارئة الفنجان

الأفضل عدم تناول موضوع الثقة بالحكومة لأنه بات ممجوجا ومملا ومبعث ضجر إلى درجة السخف والاستخفاف. وهو موضوع يشبه لعبة المراهقين بالوردة لقصة بتحبّني ما بتحبّني مع كل قطع ورقة منها، والنتيجة يحددها المراهق بالنهاية وهو يتحايل لمّا يصل إلى آخر ورقتين أو ثلاثة فيعمد إلى نهاية بتحبّني، وهذه قصة "حبّني غصب، وحبحبني عالخدين شو هالجسارة".
فالكل يعرف أنّ الثقة بالنسبة لأيّة حكومة هي تحصيل حاصل من النواب، وأنّ الذين يحجبونها بلا تأثير أبدا حتى لجهة تسجيل موقف، فقد قيل ذات حكومة أنّه لكثرة المانحين تمّ الطلب من البعض الحجب ليكون الإخراج جيدا، وفي أخرى نالت النصف زائدا واحد فقط ولم يختلف حالها ولا حال من منحوا ومن حجبوا وظلّوا معاً سمنا على عسل.
المشكلة ليست بالحكومات أبدا، فمنذ عودة الحياة النيابية والمشكلة في مجلس النواب الذي حوّل نفسه إلى محلل وهو يمنح بلا هوادة، ولم يحدث قط أنّ حكومة كان عندها خشية من النواب، أو أنّها هكلت هم ما يوجّه لها من أسئلة، لا بل إنّ الحكومات كانت تسعد وهي تلبّي خدمات للنواب باعتبار هم من يحتاجونها وليس العكس أبدا.
ولسوف يرى الجميع الحال البائس، خصوصا عند تصويت النواب، وكيف أنّ الكتل النيابية تتكسر على صخرة ردّ الرئيس عليهم، ولسوف يعطيهم النسور من الكلام والوعود فيرضون، وكيف أنّهم سيتحدثون بنعمته عليهم، ليتأكد مجددا أنّ مشكلة البلد لم تكن بالحكومات وإنّما هي كامنة في مجلس الأمة بغرفتيه اللتان تحولتا إلى شقتين، واحدة في الجندويل والأخرى وسط البلد.
وحال النسور الرئيس بما يسمعه من تطمينات بألاّ يحزن وأنّ الذين هم الكل بالكل معه، فلا خوف عليه ولا النواب يحزنون، ولن يرجع مهزوما ولا مكسور الجنحان، وسنعرف بعد رحيله أنّه خيط دخان، وأنّ عيونه عادية وفمه لم يرسم كالعنقود وضحكته لا أنغام ولا ورود والشعر مجعد ليس غجريا ولا ممدود، ومع ذلك يسافر في كل دنيا لا يهواها القلب لينال الثقة، فكل من يدخل حجرته، من يلمس يده، من يحاول فكّ عقدته مفقود يا شباب.

بقلم: جمال الشواهين