المفاوضات في ظل الرعاية الأميركية

المفاوضات في ظل الرعاية الأميركية

حماده فراعنه

ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها الولايات المتحدة الأميركية بين طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في محاولة التوصل إلى تسوية بشأن قضايا المرحلة النهائية، وليست المرة الأولى التي أخفقت فيها الولايات المتحدة في تحقيق نتائج ملموسة على طريق إنهاء الصراع، فها هي زيارة الرئيس أوباما، وزيارات وزير خارجيته وجهود رجالات الإدارة الأميركية تصطدم بحائط الصد الإسرائيلي الفلسطيني، الإسرائيليون متمسكون ببقاء الاحتلال، والفلسطينيون متمسكون بنيل الاستقلال.

ومنذ توقيع اتفاق أوسلو في حديقة الورود أمام البيت الأبيض، والمحاولات الأميركية لم تتوقف، وإخفاقاتها كذلك، بدءاً من محاولة الرئيس كلينتون، جمع الرئيس الراحل ياسر عرفات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود براك، في كامب ديفيد في تموز 2000، مع طاقميهما، لمدة أسبوعين، ولكنه فشل في التوصل إلى حلول واقعية لعناوين المرحلة النهائية، وخاصة بشأن القدس واللاجئين، وسجل الأميركيون فشلاً ذريعاً لأنفسهم وعدم قدرتهم على استنباط حلول وفرضها على طرفي الصراع.

وكان التدخل الثاني في عهد بوش في شهر تشرين الثاني 2007 في مفاوضات أنابوليس بين الرئيس أبو مازن ورئيس الوزراء يهود أولمرت، ورغم أنهما قطعا شوطاً، ولكنهما أخفقا في مواصلة التفاوض في ظل الرعاية الأميركية.

وكان التدخل الثالث من قبل الرئيس أوباما نفسه، منذ أن تسلم سلطاته الدستورية، وحاول فرض معادلة جديدة أكثر إنصافاً للشعب الفلسطيني، بدون المساس بمكانة إسرائيل وحرص واشنطن عليها، وتحالفها معها، فطالب بوقف الاستيطان، بناء على توصيات مستشاره جورج ميتشل، ولكنه فشل في دفع إسرائيل بوقف الاستيطان، مثلما فشل في فرض استمرارية المفاوضات المتعثرة، لأنها لم تتجاوب مع المصالح الوطنية الفلسطينية، ولم تلب تطلعات منظمة التحرير وحقوق الشعب الفلسطيني، فرفض الرئيس الفلسطيني المفاوضات، وأعلن شروطه لقبوله بها والجلوس على طاولتها، ولهذا توقفت المفاوضات في شهر تشرين الاول 2010، ولا تزال، في ظل إعلان إسرائيلي كاذب يطالب بمفاوضات غير مشروطة، مع بقاء تهويد القدس، والسيطرة على الغور، وتوسيع المستوطنات في قلب الضفة، وذلك ضمن سياسة إسرائيلية يقودها نتنياهو تقوم على ثلاث مرتكزات هي:

1- استمرار الاحتلال بدون ثمن تدفعه إسرائيل.
2- بقاء السلطة الفلسطينية بدون قدرة على ممارسة السلطة لشعبها، وبدون برنامج عمل يمكن تنفيذه، وبلا قاعدة تفاوضية متفق عليها تصل إلى قيام الدولة المستقلة.

3- دفع قطاع غزة إلى مزيد من الاستقلالية ليكون عنواناً لفلسطين بديلاً عن الضفة والقدس، ومحصوراً بالسقف الأمني المصري الإخواني، وتحت رعايته ووصايته، والمفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، و" تفاهمات القاهرة " بينهما، والالتزام بها، ومراعاتها تشكل المقدمات الضرورية لهذا التوجه على قاعدة " الامن مقابل السلام"، وهي معادلة متبادلة، توجه تحرك الطرفين بهذا الاتجاه.

بعد انتصار منظمة التحرير يوم 29/11/2012، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحصول فلسطين على مكانة دولة عضو مراقب، لم تنقطع الاتصالات الفلسطينية الأميركية، رغم رفض واشنطن لسياسة منظمة التحرير، وضغوطها لعدم اللجوء إلى الأمم المتحدة وتصويتها ضد قبول فلسطين دولة مراقبا، فقد استقبل الرئيس الفلسطيني باراك أوباما في رام الله يوم 21 آذار، وفي بيت لحم يوم 22 آذار، والتقى وزير الخارجية جون كيري في 4 آذار في الرياض، وفي عمان يوم 23 آذار، والتقى ديفيد هيل المبعوث الأميركي لعملية السلام أكثر من مرة وكذلك القنصل الأميركي مايكل راتني، وبعث وفداً فلسطينياً، إلى واشنطن، يومي 21 و 22 شباط، للقاء وزير الخارجية جون كيري وعدد من المسؤولين الأميركيين.

ويمكن تلخيص الموقف الأميركي اعتماداً على تقارير دائرة شؤون المفاوضات الداخلية في منظمة التحرير كما يلي :

1- الولايات المتحدة الأميركية ملتزمة بمبدأ الدولتين على حدود 1967، ولكن هذا لن يتحقق من خلال الأمم المتحدة، ولكن عبر المفاوضات الثنائية، وستعمل لتحقيق ذلك من خلال الدبلوماسية الهادئة.

2- معارضة الإدارة الأميركية الشديدة لانضمام فلسطين لأي من المنظمات والبروتوكولات والمواثيق والاتفاقيات الدولية، والتأكيد على أن القيام بذلك سيؤدي إلى التأثير سلباً على العلاقات الثنائية وإلى قيام الكونغرس بقطع كل المساعدات عن السلطة الفلسطينية.

3- الرئيس أوباما لن يطرح في الفترة الحالية أي مشاريع للسلام، وسوف يكتفي بقيام وزير خارجيته ببذل كل جهد ممكن لاستئناف المفاوضات بين الجانبين.

4- حاولت الإدارة الأميركية إدخال تعديلات على مبادرة السلام العربية ولكن الرئيس عباس ومعه بعض العرب رفضوا ذلك. ولم يتحدث الرئيس أوباما عن حدود 1967 عندما ذكر الدولتين في كل خطاباته العلنية أثناء زيارته الاخيرة لفلسطين والأردن وإسرائيل.

5- سأل أكثر من مسؤول أميركي عن إمكانية استئناف المفاوضات بوقف جزئي للاستيطان، مع استمراره فيما يسمى بالكتل الاستيطانية، ورفض الرئيس أبو مازن هذا الطرح جملةً وتفصيلاً.

6- استأنفت إدارة الرئيس أوباما في ولايته الثانية تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية بعد أن كانت أوقفت جزءاً كبيرا منها كعقاب على رفع مكانة فلسطين إلى دولة غير عضو.

7- في اختلاف واضح مع رئيس الوزراء نتنياهو، أكد الرئيس أوباما في خطاباته العلنية أن السلام هو الذي يجلب الأمن، وأن الأمن لا يتحقق بالمستوطنات والجدران وإخضاع شعب آخر.

أما الموقف الفلسطيني فيمكن تلخيصه وفق صائب عريقات رئيس دائرة المفاوضات، على النحو التالي :

1- حرص الجانب الفلسطيني على عدم الصدام مع أميركا أو التعرض لمصالحها.

2- أكد أن رفع مكانة فلسطين على حدود 1967 وبعاصمتها القدس الشرقية إلى دولة غير عضو يعتبر تعزيزاً وحفاظاً على مبدأ الدولتين على حدود 1967.

3- شدد الرئيس عباس على حق دولة فلسطين الانضمام إلى المنظمات والاتفاقيات والبروتوكولات والمواثيق الدولية، مؤكداً أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية هي صاحبة الحق في تحديد التوقيت لعضوية دولة فلسطين وانضمامها إلى هذه المنظمات والاتفاقات الدولية.

4- أوضح الرئيس أبو مازن أن من يخشى المحاكم الدولية عليه أن يكف عن ارتكاب الجرائم.

( قُدمت وثائق للجانب الأميركي حول الجرائم التي ترتكب من قبل المستوطنين، والنشاطات الاستيطانية وتهجير السكان وهدم البيوت، وخاصة في مدينة القدس الشرقية وما حولها، وكذلك الالتزامات التي لم تنفذها إسرائيل من الاتفاقات الموقعة وخارطة الطريق إضافة الى رسالة من أهالي الأسرى الفلسطينيين ) .

وأصر الرئيس الفلسطيني على وجوب تنفيذ الالتزامات المترتبة على الجانب الإسرائيلي، مُشيراً أن ذلك لا يعتبر حسن نوايا أو إجراءات ثقة وإنما تنفيذاً للالتزامات.

5- أعاد الرئيس عباس التأكيد على ان قبول إسرائيل بمبدأ الدولتين على حدود 1967، ووقف كافة النشاطات الاستيطانية وبما يشمل القدس الشرقية المحتلة، والإفراج عن الأسرى، يعتبر المدخل لاستئناف المفاوضات، موضحاً أن هذه التزامات ترتبت على الحكومة الإسرائيلية وليست شروطاً فلسطينية كما تصفها الحكومة الإسرائيلية.


h.faraneh@yahoo.com