لأول مرة التلفزيون الأردني اثبت رجولته

أخبار البلد- بسام البدارين - كاميرا الحكومة لأول مرة في مسرح الحدث، بحيث فاتت فرصة التغطية على المحطات المتربصة بالبلاد، فقد شاهد الأردنيون الأسبوع الماضي إحدى مشاكلهم المزمنة والمعقدة على شاشتهم.

بدأت القصة بخلاف عشائري متجدد داخل حرم الجامعة الأردنية، بعد انتخابات طلابية برزت فيها هوية العشيرة قبل أي هوية وطنية او سياسية او حزبية أخرى.. خلافا للعادة لم يتمكن رئيس الجامعة البروفيسور عادل طويسي من نكران المسألة واتهام الإعلام بالتهويل والاختراع.

انتهت انتخابات الطلاب.. بعد يومين حصلت مشادة بين طالب (سلطي) وآخر من (مادبا)، وخلال دقائق تجمع الطلاب السلطية وتحشد طلاب قبيلة بني حميده.. تلثم البعض وحمل البعض الآخر أحجارا وعصيا واستخدمت الكتب الجامعية والأقلام كأسلحة وبدأت المعركة بين (داحس والغبراء) لكن على الطريقة العصرية، وبعدما تم تدشنيها بين نفس المجموعات الطلابية المسلحة بالجهل والتخلف على فيسبوك. الجديد المثير أن هذه المعركة التي حصلت في حرم إحدى كليات أم الجامعات في الأردن، أنها ديجتال، فقد صورها طلاب من عشائر اخرى اكتفوا بالفرجة على زملائهم السلطية والحمايدة.

الخسائر أظهرتها كاميرات أجهزة الهاتف الخلوي الطلابية: نار أشعلت ببعض مرافق الجامعة.. ستائر زجاجية في مختبر علمي تحطمت.. هجوم وقائي على المتشاجرين من قوة الحرس الجامعي.. 12 طالبا دخلوا المستشفى، إضافة لمحاضر وكاتب وجدا بالصدفة، وبروفيسور حائر وجد نفسه مضطرا للإجابة على أسئلة سخيفة حول مشاجرة عشائرية في الجامعة الأولى في البلاد، رغم انه يفترض أنه يدير صرحا علميا لا سوق خضار.

تلك بطبيعة الحال لم تكن المرة الأولى لا في الجامعة نفسها ولا غيرها من جامعات القطاعين العام والخاص، لكن الجديد جدا هذه المرة أن تلفزيون الحكومة الرسمي قرر تغطية الحدث وأعد ريبورتاجا حول الموضوع تضمن تسجيلات لبعض الجرحى الأبرياء من الطلاب.

إنها المرة الأولى فقد كان تلفزيون الحكومة هناك.. هذا ما قيل في مقر رئاسة الوزراء والفضل في ما يبدو يمكن إعادته لرجل واحد قرر خرق حاجز صمت الشاشة الرسمية وتجاهلها، إنه علي العايد الرئيس الجديد لمجلس إدارة مؤسسة التلفزيون، الذي يناضل لرفع الشعار التالي: ينبغي ان تتوقف سياسة تجاهل تغطية قضايانا ومشاكلنا على شاشتنا.

العايد قال لي شخصيا: ما هي الحكمة من ترك الرواية للفضائيات الأخرى وتجاهل ما يحصل عندنا؟ لاحقا صرح الرجل بما يلي: الإرادة السياسية متوفرة لإحداث التغيير المنشود في مؤسسة التلفزيون.. هل يعني ذلك أنها لم تكن كذلك في الماضي؟

الجامعات أصبحت مسرحا للتعبير عن كل هوية فرعية موتورة في البلاد للأسف الشديد- قالها الزميل المتابع لمسألة الجامعات محمد أبو رمان - عدة مرات لكن لم يستجب أحد، فالعلم ينزف في مؤسسات التعليم الأردنية ليس فقط لان أول 500 جامعة في العالم لا يوجد بينها ولا جامعة عربية، ولكن أيضا لإن توترات المجتمع ينقلها الطلبة لحرم الجامعة الذي أصبح مكانا لتفريغ الاحتقان.

والإثارة يمكن رصدها بكل تعبيراتها في جامعات الأردنيين وأطرف ما قرأته مؤخرا بالخصوص هو الرسالة التي وجهها علنا مسؤول الطلاب في الاتجاه الإسلامي لملثم غامض اعتدى على فتاة محجبة.. قالت الرسالة: سنعرفك أيها المريض ولن ننساك.

حتى الأساتذة في الجامعات شملتهم الهويات الفرعية فقد أطلق أستاذ يحمل شهادة دكتوراه، النار في الربيع الماضي على عميدة الكلية وأصابها في مناطق حساسة لانها فكرت في عدم تجديد عقد وظيفته.. في موسم الشتاء أظهرت التحقيقات ان العميدة متهمة من قبل زملائها وحتى بعض طلبتها بإطالة اللسان أولا، وباستفزاز المشاعر الوطنية لأبناء العشائر عبر الحرص على ارتداء الكوفية البيضاء التي تدلل على أصلها الفلسطيني.

بعد ذلك بأسابيع انتهت محاولة أحد الطلبة لاستعراض شبابه أمام طالبة من عشيرة أخرى بجريمة قتل داخل الحرم الجامعي، فاضطرب الوضع بمحافظة كاملة وتطلب الأمر قوات كبيرة من الدرك وأزمة أمنية وطنية انشغل الجميع في البلاد باحتوائها.

وكل ذلك وضع وزارة التعليم العالي أمام خيار واحد.. بوابات إلكترونية ودخول بالهوية الممغنطة لحرم الجامعات لأول مرة في تاريخ البلاد، خوفا من تسرب أقرباء الطلبة لأغراض المشاجرات التي تندلع بين الحين والآخر.

وزير الداخلية في الحكومة سعد السرور له رأي مثير في ما يحصل في الجامعات ردده مباشرة أمام كاتب هذه السطور، حيث قال: المشاجرات والعراكات ليس بين العشائر في الواقع، وما يحصل ان العشيرة للأسف تسمح لأزعر من أولادها بأن يجرها لمواجهة سخيفة من هذا النوع.

السرور يرى أن من واجب الحكومة إعادة النظر بسياسة توزيع المؤسسات الاجتماعية على المناطق الجغرافية، بحيث تتوقف فلسفة الجامعات المحلية حتى ترعى مؤسسات التعليم اندماجات منتجة يتم فيها تبادل الخبرات.

المشرع الأبرز في البرلمان عبد الكريم الدغمي واجه موقفا غريبا، حيث سأل أحد الطلبة الجامعيين من أبناء عشيرته قائلا: لماذا تحمل موسى (آلة حادة وقاطعة).. هل أنت أزعر ام طالب جامعي؟.. رد الشاب: معالي الأخ أحمله للدفاع عن نفسي.. الجميع يحمله فهل تريد أن أسمح بتشطيب وجهي؟

الحل بالنسبة للدغمي ليس أقل من عودة خدمة العلم في الجيش فعندما كانت موجودة لم تكن هذه المظاهر متاحة في صفوف الشباب الأردنيين.

 

التردد تونسي - جزائري والريمونت كونترول أردني

 

 

لأول مرة يدخل تردد فضائية تونس وفضائية الجزائر مساحة اهتمام المشاهد الأردني ليس من باب الحرص بكل الأحوال على فهم ما يجري حاليا في البلدين وليس من منطلق الإيمان بحقائق المشهد كما ترسمه فضائيات العرب الحكومية ولكن من باب التنويع أولا والمقايسة والمقاربة ثانيا.

وحتى لا يتهم المزاودون والمنافقون للسلطة في عمان المواطن الأردني بتلقي جرعات (مسمومة) من محطة الجزيرة القطرية للأحداث التي تجري في المغرب العربي بات تحريك الريمونت كونترول بحثا عن الفضائية التونسية والجزائرية سلوكا مألوفا في منازل ومقاهي عمان فانتفاضة الجوع والخبز في البلدين إنتهت بسقوط قتلى وجرحى وفوضى والأمر يثير شهية المتابعة بالنسبة لمحترفي تنظيم الإحتجاجات والمسيرات في الأردن.

تونس بالنسبة للأردنيين البسطاء وطوال عقود كانت بلدا يتيح للأردني الفقير شراء كمية من زيت الزيتون بأسعار رخيصة جدا لا تقارن قياسا بأسعار الزيت البلدي.. المعروف ان الزيت التونسي صديق دائم لمعجنات الفقير الأردني في الماضي وتحديدا بعدما منع الفلسطينيون من إدخال زيتهم إلى الضفة الشرقية للنهر وبعدما أصبح زيت المعاصر الأردنية يوضع في عبوات صغيرة وأنيقة يتبادلها الأثرياء كهدايا نفيسة.

والجزائر في ذاكرة بسطاء البلاد إرتبطت بمسألتين لا ثالث لهما .. بلد المليون شهيد وبلد المذابح الداخلية المأساوية في التسعينيات.

خلافا لذلك لا يعرف العامة في الأردن شيئا عن البلدين الشقيقين لكن الرأي العام يعرف الأن بسبب إحتجاجات الخبز وإنطلاقا من سعي نشطاء الإعتصامات الذين هددوا حكومة سمير الرفاعي بإسقاطها لفهم كيفية تعاطي الشاشات الرسمية .

أحد هؤلاء النشطاء قال لي : شغفنا في مشاهدة فضائيتا تونس والجزائر مرده الإهتمام بالإجابة على السؤال التالي: هل الأخوة في المغرب العربي الرسمي يغطون أحداثهم الداخلية تلفزيونيا بنفس طريقتنا في الشرق؟.

صاحبنا حصل على الإجابة المنشودة كما شرح فتلفزيون الحكومة الرسمي في البلدين روى الحدث وفقا للصيغة إياها..(القتلى والجرحى سقطوا نتيجة التدافع بعدما اعتدت رؤوسهم الطرية على هراوات ورصاصات الدرك وهي تتجول لحفظ الأمن العام).

.. هذا تماما ما تقوله شاشتنا الرسمية- أضاف صاحبنا- عندما تفسر سقوط جرحى المباريات او الإحتجاجات بصرف النظر عن نوعها.