أسباب فشل تجربة المشاورات النيابية
انتهت بسلام المشاورات النيابية التي شهدتها أروقة مجلس النواب السابع عشر منذ بدء اجتماعات دورته غير العادية، والتي أسفرت عن إعادة تجديد البيعة بالدكتور عبد الله النسور رئيسا للوزراء واختيار فريق وزاري رشيق عهد إلى معظم الوزراء فيه بأكثر من حقيبة وزارية. وقد انقسمت الآراء حول تقييم هذه التجربة النيابية، حيث ذهب البعض إلى القول بان المشاورات التي ابتدأها رئيس الديوان الملكي واستكملها رئيس الوزراء المكلف كانت شكلية وصورية، في حين رأى البعض الآخر أنها تجربة جديدة لا يتوقع لها النجاح الكامل من أول مرة.
بالمحصلة فإنه يمكن القول إن ما شهدته الحياة السياسية الأردنية على مدار الأسابيع القليلة الماضية كانت بمثابة "بروفة" دستورية لتعديل المادة (35) من الدستور التي تعطي الملك الحق المطلق في اختيار رئيس الوزراء والوزراء وإقالتهم وقبول استقالاتهم. فقد تعالت أصوات الحركات السياسية والشعبية مؤخرا تطالب بتعديل تلك المادة الدستورية لصالح الأخذ بمفهوم الحكومة النيابية التي تفرض قيدا على حق الملك في اختيار رئيس الوزراء بأن يختار رئيس الحزب الفائز في الانتخابات، أو على الأقل أن يتشاور مع الكتل النيابية في مجلس النواب على اسم رئيس الوزراء. فكانت الحكمة أن يتم إجراء تجربة دستورية تقوم على أساس إشراك النواب في تشكيل الحكومة في الأردن بغية تأسيس عرف دستوري جديد في هذا السياق ليقرأ مع المادة (35) من الدستور كتعديل دستوري لها.
إلا أن هذه التجربة الدستورية لم يكتب لها النجاح، فقد فشلت المشاورات النيابية في إفراز حكومة توافقية مع مجلس النواب بعد أن تعثرت في أكثر من مناسبة، حتى وصل الأمر بالعديد من السادة النواب أن طلبوا وضع حد لها والعودة إلى الأسلوب التقليدي في تشكيل الحكومات في الأردن. وبدلا من أن تكون حكومة النسور النيابية على ود مع مجلس النواب، فقد انقلب السحر على الساحر وتعاظمت النقمة البرلمانية على شخص رئيس الوزراء ووزرائه، وهذا ما ظهر جليا من خلال حجم الانتقادات العلنية التي وجهها نواب من العيار الثقيل لنتائج المشاورات، واللوبي النيابي الذي يقال إنه قد تشكل لإسقاط حكومة النسور الجديدة في امتحان الثقة على بيانها الوزاري.
إن الأسباب التي أدت إلى فشل تجربة المشاورات النيابية عديدة، أولها قانون الانتخاب الرجعي الذي أفرز مجلس النواب السابع عشر والذي أبقى على نظام الصوت الواحد المجزوء بنسخته الأردنية التي تمتاز بالخلل في تقسيم الدوائر الانتخابية، بالإضافة إلى أن تجربة القوائم الوطنية المغلقة قد أثبتت فشلها في تحقيق الغاية منها والمتمثلة بالزج بالأحزاب السياسية وتمثيلهم في مجلس النواب.
أما ثاني هذه العوامل التي أدت إلى فشل تجربة المشاورات النيابية فيتمثل في سوء إدارة تلك المشاورات بمرحلتها الأولى الخاصة باختيار رئيس الوزراء والثانية الخاصة باختيار الوزراء. فقد غابت المعايير والأسس الواضحة المعلنة في اختيار رئيس الوزراء وأعضاء حكومته، وتمخضت كافة جولات المشاورات عن مجرد الاتفاق على مجموعة من الصفات والمواهب التي يجب أن يتحلى بها الرئيس الجديد وأهمها أن يتعهد بعدم رفع الأسعار.
أما مشاورات اختيار الوزراء فامتازت بالعشوائية والغوغائية، فقد حاولت الكتل النيابية الدفع بأسماء شخصيات محسوبة عليها إلى الرئيس النسور ليضمها في حكومته النيابية، حيث جاء اختيار تلك الأسماء على أسس ومصالح شخصية لا بدافع الغيرة على المصلحة العامة. فالأسماء التي اقترحها السادة النواب أعضاء في الحكومة النيابية كانوا بعيدين كل البعد عن العمل العام، من عمل منهم في القطاع العام كانت خبرته العامة لا تشفع له لتقلد منصب الوزارة.
كما ساهم رئيس الوزراء النسور نفسه في إفشال تجربة المشاورات النيابية، حيث افتقد إلى الحزم في التعاطي مع مجرياتها، وتوسع في نطاقها لتشمل مؤسسات المجتمع المدني وأمناء الأحزاب السياسية وشخصيات أكاديمية وسياسية مختلفة. هؤلاء الأشخاص لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالحكومة النيابية التي يفترض أن تولد من رحم البرلمان من خلال التوافق مع أعضائه على أسماء الوزراء. فقد كان الأجدر بالنواب أنفسهم أن يتشاوروا مع النقابات والأحزاب السياسية حول أشخاص الوزراء الجدد ومواصفاتهم ليقوموا بترشيحهم إلى رئيس الوزراء بدلا من إضاعة الوقت في لقاءات ومجاملات اجتماعية ساهمت فقط في إطالة أمد المشاورات. فغرقت الدولة الأردنية لفترة طويلة في ظلمة دستورية، وتوقفت أنشطتها وأعمالها على كافة الأصعدة ابتداء من رأس الهرم جلالة الملك الذي نأى بنفسه عن ممارسة حقه الدستوري في الحكم وإدارة شؤون الدولة وذلك بسبب عدم وجود رئيس وزراء ووزراء دستوريين للتوقيع معه على الإرادات الملكية لغايات نقل المسؤولية السياسية إليهم وذلك عملا بأحكام المادة (40) من الدستور.
أما السبب الثالث لفشل تجربة المشاورات النيابية فيتمثل في غياب القواعد القانونية والدستورية اللازمة لتستند عليها وتدعمها، فالكتل النيابية التي كانت محور العملية التفاوضية غير معترف بها في مجلس النواب وأنظمته الداخلية، فهي فاقدة للشرعية الدستورية والقانونية بشكل انعكس سلبا على مجريات المشاورات وصعَّب من مهمة الاتفاق على شخص رئيس الوزراء والوزراء. كما أن غياب أية منظومة قانونية للكتل النيابية قد أسفر عن صعوبة التنسيق داخل صفوفها، مما أدى إلى حدوث انشقاقات وتصدعات كان سببها الأساسي غياب ايديولوجيات وبرامج مشتركة بين أعضاء الكتلة الواحدة. فاستغل النواب هذا الوضع ليمارسوا هوايتهم في لعبة الكراسي المتحركة والتنقل بكل سهولة ويسر بين صفوف الكتل النيابية من خلال الانضمام إليها تارة والاستقلال عنها وتشكيل كتل جديدة تارة أخرى.
ورغم مأساوية الكتل النيابية الهلامية التي يعيها السادة النواب جيدا، فقد تعالت الأصوات داخل مجلس النواب لصالح توزير النواب، وضغطت معظم الكتل النيابية لصالح الزج بأعضائها في حكومة النسور، وهو ما تسبب في تأخير مجريات المشاورات وانحرافها عن الصراط المستقيم حتى تقرر حسم الموضوع لصالح عدم ضم النواب في الحكومة الجديدة.
والسبب الرابع لفشل تجربة المشاورات النيابية قد ظهر بعد تشكيل الحكومة ومن خلال الموقف الذي تبناه الرئيس النسور في التصريح بأنه سيقوم بإجراء تعديل وزاري على حكومته خلال الأشهر القادمة والإتيان بالنواب وزراء في حكومته لفرط عقد الوزارات المدمجة مع بعضها بعضا. مثل هذا الموقف قد فهمه النواب أنه محاولة بائسة لاستمالة ودهم وكسب رضاهم ليقروا خطوات الحكومة الاقتصادية الجديدة والتي أهمها رفع أسعار الكهرباء بنسب عالية، وإقرار مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد كقانون جباية بامتياز. فهذا النهج في التعاطي مع السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب والسلطة التنفيذية ممثلة بالوزراء قد أفقد تجربة المشاورات شرعيتها، فما دام أن وزراء النسور قد جاؤوا أعضاء في السلطة التنفيذية من خلال المشاورات مع مجلس النواب، فلماذا يتم التضحية بهم وتعديلهم بعد أشهر قليلة من تعيينهم؟
إن مجريات تجربة المشاورات ومخرجاتها قد جاءت مغايرة تماما لما رسمه جلالة الملك من خطوط عريضة لإنجاح التجربة، فهو قد طلب من النسور التشاور مع النواب على اختيار الوزراء ووضع برنامج عمل لمدة أربع سنوات، حيث ربط جلالة الملك مصير مجلس النواب بالاتفاق مع الحكومة على خطة واضحة المعالم لتطبق خلال فترة وجوده الدستورية، وهذا ما لم يحدث على أرض الواقع حيث اقتصرت المشاورات على الأسماء فقط دون البرامج.
إن الدروس المستفادة من تجربة المشاورات النيابية أنه ما زال من المبكر تعديل المادة (35) من الدستور، ذلك أن هناك سلسلة من الأعمال والمنجزات التي يجب القيام بها أولا قبل إعادة النظر في آلية تشكيل الحكومات في الأردن. وقد أشار جلالة الملك في ورقته النقاشية الثالثة إلى آلية عمل واضحة لتحقيق هذه الغاية وذلك في محاور خمسة هي الأحزاب السياسية ومجلس النواب ومجلس الوزراء والملكية الدستورية الهاشمية والمواطن. ولا عجب أن يأتي ترتيب هذه المحاور على النحو السابق لتشكل خطة عمل متكاملة تبدأ بالأحزاب السياسية التي يجب أن يتم تفعيل دورها على الصعيد المحلي وتعزيز مشاركتها في الحياة السياسية للوصول إلى مجلس النواب من خلال انتخابات نيابية تجرى على أساس قانون انتخابي عصري، ومن ثم تنتقل هذه الأحزاب السياسية من السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية لتشكل الحكومة النيابية، وبعدها نجرؤ على الحديث عن ملكية دستورية هاشمية يقيد فيها حق الملك في اختيار رئيس الوزراء على ضوء نتائج الانتخابات النيابية، ولتنعكس كافة خطوات الإصلاح السابقة وتصب في بوتقة المواطن وضمان حقوقه وحرياته الدستورية الأساسية.
بالمحصلة فإنه يمكن القول إن ما شهدته الحياة السياسية الأردنية على مدار الأسابيع القليلة الماضية كانت بمثابة "بروفة" دستورية لتعديل المادة (35) من الدستور التي تعطي الملك الحق المطلق في اختيار رئيس الوزراء والوزراء وإقالتهم وقبول استقالاتهم. فقد تعالت أصوات الحركات السياسية والشعبية مؤخرا تطالب بتعديل تلك المادة الدستورية لصالح الأخذ بمفهوم الحكومة النيابية التي تفرض قيدا على حق الملك في اختيار رئيس الوزراء بأن يختار رئيس الحزب الفائز في الانتخابات، أو على الأقل أن يتشاور مع الكتل النيابية في مجلس النواب على اسم رئيس الوزراء. فكانت الحكمة أن يتم إجراء تجربة دستورية تقوم على أساس إشراك النواب في تشكيل الحكومة في الأردن بغية تأسيس عرف دستوري جديد في هذا السياق ليقرأ مع المادة (35) من الدستور كتعديل دستوري لها.
إلا أن هذه التجربة الدستورية لم يكتب لها النجاح، فقد فشلت المشاورات النيابية في إفراز حكومة توافقية مع مجلس النواب بعد أن تعثرت في أكثر من مناسبة، حتى وصل الأمر بالعديد من السادة النواب أن طلبوا وضع حد لها والعودة إلى الأسلوب التقليدي في تشكيل الحكومات في الأردن. وبدلا من أن تكون حكومة النسور النيابية على ود مع مجلس النواب، فقد انقلب السحر على الساحر وتعاظمت النقمة البرلمانية على شخص رئيس الوزراء ووزرائه، وهذا ما ظهر جليا من خلال حجم الانتقادات العلنية التي وجهها نواب من العيار الثقيل لنتائج المشاورات، واللوبي النيابي الذي يقال إنه قد تشكل لإسقاط حكومة النسور الجديدة في امتحان الثقة على بيانها الوزاري.
إن الأسباب التي أدت إلى فشل تجربة المشاورات النيابية عديدة، أولها قانون الانتخاب الرجعي الذي أفرز مجلس النواب السابع عشر والذي أبقى على نظام الصوت الواحد المجزوء بنسخته الأردنية التي تمتاز بالخلل في تقسيم الدوائر الانتخابية، بالإضافة إلى أن تجربة القوائم الوطنية المغلقة قد أثبتت فشلها في تحقيق الغاية منها والمتمثلة بالزج بالأحزاب السياسية وتمثيلهم في مجلس النواب.
أما ثاني هذه العوامل التي أدت إلى فشل تجربة المشاورات النيابية فيتمثل في سوء إدارة تلك المشاورات بمرحلتها الأولى الخاصة باختيار رئيس الوزراء والثانية الخاصة باختيار الوزراء. فقد غابت المعايير والأسس الواضحة المعلنة في اختيار رئيس الوزراء وأعضاء حكومته، وتمخضت كافة جولات المشاورات عن مجرد الاتفاق على مجموعة من الصفات والمواهب التي يجب أن يتحلى بها الرئيس الجديد وأهمها أن يتعهد بعدم رفع الأسعار.
أما مشاورات اختيار الوزراء فامتازت بالعشوائية والغوغائية، فقد حاولت الكتل النيابية الدفع بأسماء شخصيات محسوبة عليها إلى الرئيس النسور ليضمها في حكومته النيابية، حيث جاء اختيار تلك الأسماء على أسس ومصالح شخصية لا بدافع الغيرة على المصلحة العامة. فالأسماء التي اقترحها السادة النواب أعضاء في الحكومة النيابية كانوا بعيدين كل البعد عن العمل العام، من عمل منهم في القطاع العام كانت خبرته العامة لا تشفع له لتقلد منصب الوزارة.
كما ساهم رئيس الوزراء النسور نفسه في إفشال تجربة المشاورات النيابية، حيث افتقد إلى الحزم في التعاطي مع مجرياتها، وتوسع في نطاقها لتشمل مؤسسات المجتمع المدني وأمناء الأحزاب السياسية وشخصيات أكاديمية وسياسية مختلفة. هؤلاء الأشخاص لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالحكومة النيابية التي يفترض أن تولد من رحم البرلمان من خلال التوافق مع أعضائه على أسماء الوزراء. فقد كان الأجدر بالنواب أنفسهم أن يتشاوروا مع النقابات والأحزاب السياسية حول أشخاص الوزراء الجدد ومواصفاتهم ليقوموا بترشيحهم إلى رئيس الوزراء بدلا من إضاعة الوقت في لقاءات ومجاملات اجتماعية ساهمت فقط في إطالة أمد المشاورات. فغرقت الدولة الأردنية لفترة طويلة في ظلمة دستورية، وتوقفت أنشطتها وأعمالها على كافة الأصعدة ابتداء من رأس الهرم جلالة الملك الذي نأى بنفسه عن ممارسة حقه الدستوري في الحكم وإدارة شؤون الدولة وذلك بسبب عدم وجود رئيس وزراء ووزراء دستوريين للتوقيع معه على الإرادات الملكية لغايات نقل المسؤولية السياسية إليهم وذلك عملا بأحكام المادة (40) من الدستور.
أما السبب الثالث لفشل تجربة المشاورات النيابية فيتمثل في غياب القواعد القانونية والدستورية اللازمة لتستند عليها وتدعمها، فالكتل النيابية التي كانت محور العملية التفاوضية غير معترف بها في مجلس النواب وأنظمته الداخلية، فهي فاقدة للشرعية الدستورية والقانونية بشكل انعكس سلبا على مجريات المشاورات وصعَّب من مهمة الاتفاق على شخص رئيس الوزراء والوزراء. كما أن غياب أية منظومة قانونية للكتل النيابية قد أسفر عن صعوبة التنسيق داخل صفوفها، مما أدى إلى حدوث انشقاقات وتصدعات كان سببها الأساسي غياب ايديولوجيات وبرامج مشتركة بين أعضاء الكتلة الواحدة. فاستغل النواب هذا الوضع ليمارسوا هوايتهم في لعبة الكراسي المتحركة والتنقل بكل سهولة ويسر بين صفوف الكتل النيابية من خلال الانضمام إليها تارة والاستقلال عنها وتشكيل كتل جديدة تارة أخرى.
ورغم مأساوية الكتل النيابية الهلامية التي يعيها السادة النواب جيدا، فقد تعالت الأصوات داخل مجلس النواب لصالح توزير النواب، وضغطت معظم الكتل النيابية لصالح الزج بأعضائها في حكومة النسور، وهو ما تسبب في تأخير مجريات المشاورات وانحرافها عن الصراط المستقيم حتى تقرر حسم الموضوع لصالح عدم ضم النواب في الحكومة الجديدة.
والسبب الرابع لفشل تجربة المشاورات النيابية قد ظهر بعد تشكيل الحكومة ومن خلال الموقف الذي تبناه الرئيس النسور في التصريح بأنه سيقوم بإجراء تعديل وزاري على حكومته خلال الأشهر القادمة والإتيان بالنواب وزراء في حكومته لفرط عقد الوزارات المدمجة مع بعضها بعضا. مثل هذا الموقف قد فهمه النواب أنه محاولة بائسة لاستمالة ودهم وكسب رضاهم ليقروا خطوات الحكومة الاقتصادية الجديدة والتي أهمها رفع أسعار الكهرباء بنسب عالية، وإقرار مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد كقانون جباية بامتياز. فهذا النهج في التعاطي مع السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب والسلطة التنفيذية ممثلة بالوزراء قد أفقد تجربة المشاورات شرعيتها، فما دام أن وزراء النسور قد جاؤوا أعضاء في السلطة التنفيذية من خلال المشاورات مع مجلس النواب، فلماذا يتم التضحية بهم وتعديلهم بعد أشهر قليلة من تعيينهم؟
إن مجريات تجربة المشاورات ومخرجاتها قد جاءت مغايرة تماما لما رسمه جلالة الملك من خطوط عريضة لإنجاح التجربة، فهو قد طلب من النسور التشاور مع النواب على اختيار الوزراء ووضع برنامج عمل لمدة أربع سنوات، حيث ربط جلالة الملك مصير مجلس النواب بالاتفاق مع الحكومة على خطة واضحة المعالم لتطبق خلال فترة وجوده الدستورية، وهذا ما لم يحدث على أرض الواقع حيث اقتصرت المشاورات على الأسماء فقط دون البرامج.
إن الدروس المستفادة من تجربة المشاورات النيابية أنه ما زال من المبكر تعديل المادة (35) من الدستور، ذلك أن هناك سلسلة من الأعمال والمنجزات التي يجب القيام بها أولا قبل إعادة النظر في آلية تشكيل الحكومات في الأردن. وقد أشار جلالة الملك في ورقته النقاشية الثالثة إلى آلية عمل واضحة لتحقيق هذه الغاية وذلك في محاور خمسة هي الأحزاب السياسية ومجلس النواب ومجلس الوزراء والملكية الدستورية الهاشمية والمواطن. ولا عجب أن يأتي ترتيب هذه المحاور على النحو السابق لتشكل خطة عمل متكاملة تبدأ بالأحزاب السياسية التي يجب أن يتم تفعيل دورها على الصعيد المحلي وتعزيز مشاركتها في الحياة السياسية للوصول إلى مجلس النواب من خلال انتخابات نيابية تجرى على أساس قانون انتخابي عصري، ومن ثم تنتقل هذه الأحزاب السياسية من السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية لتشكل الحكومة النيابية، وبعدها نجرؤ على الحديث عن ملكية دستورية هاشمية يقيد فيها حق الملك في اختيار رئيس الوزراء على ضوء نتائج الانتخابات النيابية، ولتنعكس كافة خطوات الإصلاح السابقة وتصب في بوتقة المواطن وضمان حقوقه وحرياته الدستورية الأساسية.
بقلم:د.ليث كمال نصراوين