"الثورة السورية" والجنس المباح
تشهد " الثورة السورية"، يوميا، فتاوى تشرّع الإباحية الجنسية. وهي غير معترَف بها، بالطبع، لدى المفتين الرسميين، ومعظمها لا يصمد أمام سجال فقهي، لكنها، مع ذلك، تجد لها مكانا لدى أوساط ممن يتبعون الإفتاء الجهادي. وهو مكان غير قابل للإلغاء، طالما أنه لا توجد مرجعية دينية عُليا مجمع عليها وعلى فتاواها.
لنأخذْ، مثلا، فتوى جهاد النكاح. وهي فتوى تعتبر قيام امرأة بتوفير المتعة الجنسية المؤقتة للمجاهد في الحرب، جهادا في سبيل الله. يعني ذلك، عمليا، كتيبة من النساء متخصصة في تقديم الخدمات الشبقية الميدانية من دون علاقة شخصية بين مقدمة الخدمة والمستفيد منها. هناك، بالطبع، الإجراء الشكلي ل"زواج شرعي" يتم عقده قبل الممارسة الجنسية، وإلغاؤه بعدها. لكن، في النهاية، هناك تشريع للجنس غير الشخصيّ، أي للبغاء، سوى أن عاملات الجنس هاته لا يتقاضين أجورا، وإنما أجورهن عند الله، بوصفهنّ مجاهدات. لكنهن، بالمقابل، يحصلن على ما يعوز البغايا المأجورات، أي الشرف.
سأقف عند نموذج يرينا إلى أي حد تؤثر الفتاوى الجهادية على جمهورها: لن أتحدّث عن حالة المجاهد الذي سعى لإرسال شقيقته إلى ميدان جهاد النكاح في سوريا، بل عن حالة أكثر دلالة هي حالة المجاهد الذي طلّق زوجته، لكي يمكّنها من شرف الالتحاق بتقديم الخدمات الجنسية لزملائه. هنا، نحن أمام متضرّر شخصيّ من الفتوى، متضرّر منها، وجدانيا وعائليا وعمليا، لكنه ينساق إليها محطِّما كل العوائق الثقافية والنفسية التي تحول دون إقدامه على التضحية بزوجته تطبيقا للفتوى التي أتاحت لشريكته، أيضا، أن تكون مجاهدة: الأولوية المطلقة على كل أولوية، حياتية أو إنسانية أو عائلية، هي للجهاد... ضد المذاهب والطوائف الأخرى من أبناء الأمة الواحدة.
لكن فتاوى الجنس الحرّ البغائيّ والشاذّ، التي ازدهرت في " الثورة السورية" إلى الحد الانفلات، لها مقدمات وأخوات متزامنات، صدرت وتصدر، بكثافة، في أوساط فئات مختلفة من السلفيين والجماعات والشخصيات الدينية، مثل إرضاع الكبير، والأنماط غير الاجتماعية من عقود الزواج ، كالمسيار والفرند وسواها الكثير، وفتاوى التمتّع بمُلْك اليمين، وغير ذلك مما نراه دارجا في تصريحات دعاة وداعيات في مصر وخصوصا في الخليج. وهي، كلها، تُطبّق في " الثورة السورية"، حيث يقرر المسلحون ما يريدون باسم الشرع.
تكشف فتاوى الجنس الكثيفة، ميولا للتطاول على الشرع في مجالين جنسيين، أولهما تشريع ممارسات جنسية واقعية ومرغوبة من قبل الأنماط غير السورية من البشر الذين وجدوا في " الثورة"، مجالا رحبا لممارسات جنسية مذمومة اجتماعيا وأخلاقيا، وثانيهما تشريع الهلوسات الشبقية التي تضغط على هؤلاء وتوتّرهم بين الهوس الديني والهوس الجنسي، فيكون الحل هو الجمع بين الحدّين في فتاوى ومناقشات تخلق فضاء المصالحة والتداخل بينهما. وهو فضاء يجد كامل استحقاقاته في كسر الحاجز بين الحياة الواقعية ووعود الجنّة؛ فالمجاهد الانتحاري الذي يملأ جيوبه بحبوب الفياغرا، واثق من أنه سيلقى الحوريات في انتظاره بعد الموت شهيدا، لكن الحدود بين " الحياتين"، تتداخل عنده. |
||