الخصخصة التي أفقرت الشعب !

لا تزال ملاحظة الملك عن المسؤولين الذين يجلدون القرارات والسياسات الإقتصادية وقد كانوا جزءا منها تتردد في الأجواء.
أحد المسؤولين الكبار قرر أن يكرس نفسه نموذجا لهذه الملاحظة , فصب نقده للخصخصة والنهج الإقتصادي الذي كان جزءا منه فجرمهما بإعتبارهما كارثة إقتصادية حلت على البلاد , قادت الى الفقر وزادت البطالة وفاقمت المديونية وأفسدت الذمم وأذهبت بعدالة توزيع المكتسبات التنموية أدراج الرياح.
فالخصخصة هي الداء لكل الأمراض الإقتصادية التي نعاني منها , وهو ذات الربط الغريب بينها وبين المشاكل الإقتصادية وهو ذات الفهم المغلوط الذي يسقط كلما تأزمت الأوضاع , بينما أن العلاقة هنا غير قائمة فليس من مهام الخصخصة معالجة المشاكل الإقتصادية التي يشاء هؤلاء الخبراء منحها إياها كما أنها ليست سببا في تفاقم هذه المشاكل.
فالمديونية زادت لأن الحكومات التي تعاقبت على الحكم منذ أعوام توسعت بالإستدانة , وفشلت في وضع برامج حقيقية لمواجهة الفقر والبطالة, بدءا بالخطط والبرامج الإقتصادية والمشاريع المولدة لفرص العمل وغيرها.
برنامج الخصخصة، إستغرق عقودا وقد وصف بالتأني والبطء وإفتقر للحماسة ، أخذ بالاعتبار الأبعاد الإقتصادية المختلفة والخصوصية التي تميز الإقتصاد الأردني في بعده الإجتماعي خصوصا جانب العمالة فيه.
البرنامج كان مضى , في سياق حلول إقتصادية وطنية أقرته أغلبية تمثل مؤسسات حكومية وأهلية وتيارات سياسية متعددة توافقت على برنامج محدد لإنقاذ الإقتصاد المتعثر من أزمة خانقة باتت فصولها معروفة.
في مقابل الإسهامات الوطنية للبحث عن حلول آنذاك كان هناك من يسهم أيضا لكن بكيل الاتهامات وكما لم يقدم المعارضون حينذاك البدائل لتطوير الإقتصاد مفضلين البقاء في خندق الرفض , أعادوا الكرة وبذات الدوافع وبذات العجز عن إقتراح الحلول , باستثناء ما يسمى بإقتصاد السوق الإجتماعي مرة و تكبيل القطاع الخاص « المنفلت مرة أخرى وبتأميم الأصول مرة ثالثة.
الاقتصاديات الناشئة ومنها اقتصاد الأردن لم تزل في نقطة التحول , فالدولة لم تنسحب تماما من الاقتصاد , فدورها لم يزل قويا , وثمة اتجاه لتعزيز هذا الدور في ظل الأزمة المالية العالمية , لاسيما وأن بعض المراقبين يفسرون تملك حكومات في دول الاقتصاد الحر لأصول الشركات والبنوك على أنه تراجع عن الاقتصاد الليبرالي الحر , بينما يفسر مثل هذا السلوك على أنه خطط انقاذ , تنتهي آثارها بمجرد انتهاء مهامها.
على أية حال , بالنسبة للاقتصاد الأردني فهو لم يزل يسلك منهج اقتصاد السوق الاجتماعي , وشواهد ذلك الاستمرار في دعم المواد الغذائية مثل القمح والوقود مثل الغاز , وغيرها , وتمتد يد الدولة الى التوسع في الاعانات مثل صناديق العون والمساكن والتوظيف بحاجة ومن دون حاجة , ويمكن طرح عشرات الأمثلة الأخرى التي تكرس دور الدولة في الادارة الاقتصادية.
لا يمكن تفسير الدفعات القوية لخطط الأمان الاجتماعي بمخصصات تتجاوز مليار دينار كل سنة الا لمصلحة منح عناية كبيرة لشرائح ذوي الدخل المحدود أو الطبقة الوسطى في دور إجتماعي للدولة في ظل منهج اقتصاد السوق الذي يوازن بين الكفاءة الاقتصادية وعدالة التوزيع الاجتماعي ليس بمعنى اعادة توزيع الثروة بقدر ما يعني تكبيرها لتضم الشرائح المهمشة ، وكذلك الاستدامة التنموية وتحقيق معدلات نمو اقتصادي مقبولة وتخفيض مؤشرات البطالة والفقر وتوسيع قاعدة البنى التحتية وتحقيق التكامل والتناغم والتنسيق بين قطاعات الاقتصاد الوطني العام والخاص.

بقلم: عصام قضماني