هنا نختلف مع السيد اردوغان

 


 

 

طالب السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي بضرورة اشراك حركة المقاومة الاسلامية 'حماس' في عملية السلام والجلوس الى طاولة المفاوضات مع اسرائيل حول اي حل للقضية الفلسطينية، وذلك اثناء مقابلة اجرتها معه قناة 'الجزيرة' الفضائية اثناء زيارته الاخيرة للدوحة.

وجهة نظر رئيس الوزراء التركي تتلخص في ان حركة 'حماس' فازت في آخر انتخابات تشريعية فلسطينية في الاراضي المحتلة باغلبية المقاعد في المجلس التشريعي (برلمان تحت الاحتلال)، وهذا يعني انها تمثل الشريحة الاكبر في اوساط الشعب الفلسطيني، ولذلك من حقها ان يكون لها دور في تحديد كيفية تقرير هذا الشعب لمصيره من خلال الجلوس الى طاولة المفاوضات.

لا نختلف مع السيد اردوغان في كل ما تقدم باستثناء دعوته لحركة 'حماس' بالمشاركة في المفاوضات، خاصة بعد ان شاهدنا كيف استغلتها اسرائيل، اي المفاوضات من اجل توطين اكثر من نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية، وتحسين صورتها في العالم كدولة ساعية للسلام في الوقت نفسه.

حركة 'حماس' نفسها، كانت وما زالت تعتبر المفاوضات التي تخوضها السلطة، والمستمرة منذ انخراطها في مفاوضات اوسلو السرية قبل عشرين عاما، مفاوضات عبثية لا طائل منها، تحقق تطبيعا مجانيا مع الاسرائيليين، وانخراطها في مفاوضات عبثية يتناقض مع دستورها ومبادئها التي قامت عليها، وجعلتها الاكثر شعبية في اوساط الفلسطينيين داخل الارض المحتلة وخارجها.

السيد اردوغان يعرف الاسرائيليين جيدا، وقد قامت حكومته بالتوسط بينهم وبين السوريين في مفاوضات غير مباشرة، استغرقت عدة جولات وامتدت لاكثر من عام، فماذا كانت النتيجة غير المناورة والتسويف واللعب على المسارات من قبل الحكومة الاسرائيلية؟

لا نعتقد ان حركة 'حماس' تملك عصا سحرية تستطيع ان تقلب مسيرة المفاوضات مع اسرائيل، وتنجز ما عجزت عن انجازه سلطة فلسطينية مدعومة من الولايات المتحدة والعالمين العربي والغربي معا، ومستعدة لتقديم سلسلة من التنازلات لم تحلم بها اسرائيل، ومن المستحيل ان تقبل بها 'حماس' او هكذا يتبادر الى ذهننا بالنظر الى ادبياتها ومواقفها.

يسجل للسيد اردوغان وقوفه الصلب الى جانب القضية الفلسطينية، ومساهماته التي ينحني امامها الشعب الفلسطيني عرفانا وتقديرا، لكسر الحصار على قطاع غزة، والتصدي بقوة وشجاعة للغطرسة الاسرائيلية والمجازر التي ترتبت عليها، ولكن نتمنى عليه ان يبتعد، في الوقت الراهن على الاقل، عن موضوع المفاوضات وجر حركة 'حماس' اليها، حتى لو رغب بعض الاجنحة 'المعتدلة' داخلها فيها.

نحن في هذه الصحيفة، وحتى لا يساء فهمنا، وقفنا دائما ضد تفرد السلطة بالمفاوضات، بل وعارضنا المفاوضات منذ البداية مثلما عارضنا اتفاقات اوسلو منذ الكشف عنها وشككنا في جدواها، وطالبنا وما زلنا نطالب بالتمسك بالثوابت الفلسطينية، وابرزها حق العودة للاجئين الفلسطينيين والتعويض لهم بعد العودة عن استغلال اسرائيل لارضهم ومائهم وبحرهم طوال السنوات الستين الماضية.

حركة 'حماس' تؤمن بهذه الثوابت وتتمسك بها، ولذلك نرى ان بعض الاصوات التي تطالب بحلول جزئية مؤقتة تحت ذرائع بناء الجسور مع الغرب، تعتبر نشازا يضر بالحركة ويقلص من شعبيتها.

ندرك جيدا ان الصراعات تنتهي دائما بالمفاوضات، سواء للتوصل الى تسوية او لتأمين انسحاب آمن للمحتلين، ولكن في الحالة الفلسطينية لا نرى ان الظروف ناضجة لتسوية في ظل حكومة يمينية عنصرية متطرفة تظل الكلمة الاقوى فيها لافيغدور ليبرمان.

نريد من حركة 'حماس' ان تتنافس مع السلطة الفلسطينية بالتمسك بالثوابت والحفاظ على راية المقاومة وليس من خلال التنافس معها على تمثيل الشعب الفلسطيني في مفاوضات عبثية.

لا نشك مطلقا في حسن نوايا السيد اردوغان، ومحبته للشعب الفلسطيني، ودعمه لعدالة قضيته، ولكننا اردنا ان نلفت نظره، من موقع الحريص الى بعض الامور التي نعتقد انها غابت عنه.