محكمة (راسل) من أجل فلسطين.. وإسرائيل

في آذار/ مارس 2009، أنشئت محكمة (راسل) بشأن فلسطين، على نموذج محكمة (راسل) الشهيرة بشأن فيتنام، والتي تعمل منذ ذلك الحين على لفت نظر الرأي العام الدولي الى مصير فلسطينيي الاراضي المحتلة الذين يخضعون، بحسب تأكيد «هيئة محلفي» هذه المحكمة، لنظام مشابه لنظام «الابارتايد» او الفصل العنصري الذي كان متبعا في جنوب افريقيا. وقد جاءت تسميتها على هذا النحو, نسبة إلى (برتراند راسل) عالم الرياضيات والفيلسوف والناشط البريطاني, الذي عرف بدفاعه عن العقلانية والمادية وكذلك بمواقفه السلمية. ففي العام 1966، إثر صدور كتابه «جرائم الحرب في فيتنام»، أسس (راسل) محكمة للرأي بهدف الحكم على جرائم حرب قوات الغزاة, واستلم هو رئيس شرف المحكمة. أما الفيلسوف والروائي الفرنسي (جان بول سارتر) فكان المدير التنفيذي، ووقف إلى جانبهما عدد من القضاة مثل المحامية التونسية اليهودية الشهيرة (جيزيل حليمي) والفيلسوفة والمفكرة الفرنسية (سيمون دو بوفوار).
كان هدف محكمة (راسل) التي تشكلت من أجل فلسطين «تحريك الرأي العام كي تتخذ الولايات المتحدة والدول الأعضاء الإجراءات اللازمة لوضعِ حد للأمور ومعاقبة إسرائيل, والتوصل إلى تسوية عادلة ودائمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي».‏ واعتماداً على القانون الدولي، اعتبرت المحكمة هدفها الفصل في:‏ (1) إخفاق المجتمع الدولي في تطبيق الحكم الصادر عام 2004 عن محكمة العدل الدولية بشأن بناء جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.‏ (2) عدم تطبيق القرار 15/10 الذي يؤكد قرار محكمة العدل الدولية والذي تبناه المجلس العام للأمم المتحدة في 20 تموز/ يوليو 2004.‏ (3) عدوان إسرائيل على غزة في كانون الأول 2008 وكانون الثاني 2009.‏ ومما يجدر ذكره أن المحكمة مؤلفة من مجموعة دولية من المواطنين المعنيين، المنظمات غير الحكومية, الجمعيات الخيرية, ونقابات ومنظمات دينية. وفي العديد من الدول، أنشئت لجان وطنية لمساندة محكمة (راسل) فيما يتعلق بفلسطين قوامها مجموعات مختلفة وأحزاب سياسية ونقابات. أيضا، حصلت محكمة (راسل) حول فلسطين على الكثير من الدعم من جانب شخصيات دولية. ورغم عدم وجود أي شرعية قانونية للمحكمة، فإنها تمتلك شرعية أخلاقية نظرا للعدد الكبير من الشخصيات المعروفة الموقعة على بيان تأسيسها والمشاركة في مداولاتها. من هنا، تستمد محكمة (راسل) شرعيتها التي تعكس وتمثل إرادة الشعوب، ورجالات الفكر والثقافة، في العيش في عالم تحكمه مبادئ الحرية والعدالة.
أما الجديد حول هذه «المحكمة» فيتجلى في حقيقة أنه، في منتصف آذار/ مارس الماضي، طالب أعضاء المحكمة بأن تتولى «المحكمة الجنائية الدولية» التحقيق في جرائم إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك في جلسة عقدت في بروكسيل في ختام أربع سنوات من الجلسات في كل من برشلونة ولندن وكيب تاون ونيويورك. كما طالبوا بعقد دورة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن سياسة الفصل العنصري التي تطبقها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وبإنشاء لجنة دولية مكونة من قدماء المعتقلين السياسيين لتنظيم حملة لمتابعة ملفات المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلية، والمطالبة بإطلاق سراحهم. كذلك، دعت المحكمة إلى تعليق اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ووقف استيراد المنتجات من المستعمرات/ «المستوطنات» في الأراضي المحتلة. 
خلاصة القول إن محكمة (راسل) حول فلسطين هي محكمة شعبية دولية تشكلت ردا على تقاعس المجتمع الدولي في مواجهة الخروقات الإسرائيلية الجسيمة والانتهاكات الصارخة للقانون الدولي، حيث أوضحت المحكمة أنه بالرغم من أن الفلسطينيين يعيشون تحت حكم عسكري استعماري في الأرض الفلسطينية المحتلة فإنهم يخضعون إلى حكم شديد من سياسة الفصل العنصري يمتد ليشمل فلسطينيي 48. لذا، فالمحكمة تحث إسرائيل على تفكيك نظامها القائم على الفصل العنصري وتدعو المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغط على قوات الاحتلال من خلال فرض عقوبات وقطع العلاقات مع إسرائيل. لقد اعتبر (روجر ووترز) العضو البارز في المحكمة أن «محكمة راسل تشكل بريق ضوء في نفق طويل»، وأضاف: «من يعتقد أن ما تقوله نتائج تقصياتها خطأ، فعليه السفر إلى فلسطين ومخيمات اللاجئين للوقوف على ذلك بنفسه». من جانبه، اعتبر أستاذ القانون والمحامي البريطاني (مانسفيلد مايكل) أن «المبادرة الآن، بعد أن أنهت المحكمة أعمالها، ستنتقل إلى المجتمع المدني والقانونيين الدوليين. وسنستمر حتى تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني».