الحصانة النيابية في الأردن وبريطانيا
لا تزال الأحداث الدراماتيكية التي رافقت الانتخابات النيابية الأخيرة من توقيف عدد من المرشحين بتهمة شراء أصوات وأفلام "الأكشن" التي يخرجها بعض السادة النواب والتي تتضمن إظهار مهاراتهم القتالية داخل مجلس النواب تثير قريحة رجال القانون والسياسة حول مدى استفادة النواب المتورطين في هذه الأفعال من الحصانة النيابية المنصوص عليها في الدستور. فالخلاف الدائر حاليا يتمثل في تحديد نطاق تلك الحصانة النيابية ومجال انطباقها على الجرائم التي ارتكبها بعض السادة النواب قبل اكتساب العضوية في مجلس النواب، وتلك الأفعال الجرمية التي ارتكبها بعضهم الآخر من اعتداءات بالضرب وإشهار الأسلحة النارية أثناء جلسات المجلس.
يروق لبعضهم القول أن الحصانة النيابية كما وردت في الدستور الأردني مطلقة تمتد لتشمل أنواع الجرائم كافة التي يرتكبها النائب قبل اكتسابه صفة النيابية وتلك التي يرتكبها أثناء فترة اجتماع المجلس بغض النظر عن طبيعتها ومدى تعلقها بالعمل النيابي. فهم يرون أن المادة (86) من الدستور قد حظرت توقيف أي نائب أو محاكمته أثناء اجتماع المجلس ما لم يصدر قرار حول ذلك من الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، وأن المشرع الدستوري لو كان يريد تضييق نطاق تلك الحصانة لنص على ذلك صراحة في المادة الدستورية السابقة.
نحترم هذا الرأي ونقر بأن الممارسات السابقة في الأردن كانت تقوم على أساس الدفع بالحصانة النيابية لوقف إجراءات محاكمة أي نائب أثناء اجتماع المجلس وتأجيلها إلى حين انتهاء الدورة البرلمانية.
في المقابل، فقد ظهر اتجاه جديد أكثر تشددا في تفسير الحصانة النيابية يدعو إلى تقصير نطاق الحصانة النيابية لتشمل الأفعال الجرمية التي يرتبكها النائب أثناء فترة وجوده في مجلس النواب وتلك التي تتعلق بعمله النيابي. فالهدف من تقرير الحصانة النيابية الإجرائية هو عدم تعطيل النائب أو تأخيره عن جلسات مجلس النواب من جراء أفعال يفترض أنه قد قام بها بصفته نائبا يسعى إلى حماية المصلحة العامة، إذ أن من شأن محاكمته عنها أمام المحاكم الجزائية أن تشغله عن حضور جلسات المجلس النيابي. إلا أن هذا الهدف النبيل للحصانة الإجرائية لا يمكن أن يتحقق ما لم يقتصر نطاق الفعل الجرمي الذي يرتكبه النائب على الإتيان بفعل أو الامتناع عن عمل ذات صلة بعمله النيابي، ذلك أنه يجب أن لا يتم التوسع في تفسيرها لتشمل أي أفعال أو جرائم أخرى قد يرتكبها النائب والتي قد لا تكون لها علاقة بعمله في مجلس النواب.
إن الحصانة النيابية الإجرائية هي بحد ذاتها تعطيل لنصوص قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية فيما يتعلق بالجرائم التي يرتكبها النائب أثناء اجتماع المجلس وإمكان ملاحقته عنها. لذا فإنه يجب أن تعامل على أنها حصانة مؤقتة بمعنى أنها تطبق فقط في الفترة التي يكون فيها مجلس النواب منعقدا، ونسبية بمعنى أن تقتصر فقط على الأفعال الجرمية التي يرتكبها النائب وتدخل في صميم عمله النيابي المتمثل بالرقابة والتشريع.
وقد انعكس هذا الاختلاف في تفسير النص الدستوري الخاص بالحصانة النيابية على قرارات المحاكم الأردنية التي صدرت مؤخرا، ففي الوقت الذي أوقفت فيه محكمة صلح جزاء عمان النظر في الشكوى الجزائية المقامة ضد النائب يحيى السعود بجرم حجز بطاقات انتخابية لكونه يتمتع بالحصانة النيابية، قررت محكمة جنايات عمان الاستمرار في نظر الشكوى الجزائية المقامة ضد النائبة رولى الحروب التي تحاكم عن تهمتي تقويض نظام الحكم والمس بكرامة الملك بسبب أن الواقعة الجرمية المنسوبة إليها قد وقعت قبل أن تصبح عضوا في مجلس النواب، بالتالي فلا تطالها الحصانة النيابية.
وعلى خلاف الوضع في الأردن، فإن حكم الحصانة النيابية في بريطانيا أكثر وضوحا واستقرارا لصالح الأخذ بالرأي الثاني المتشدد في نطاق تطبيقها. فقد شاءت الظروف أنه في الوقت الذي يجادل فيه القانونيون الأردنيون حول نطاق الحصانة النيابية ويدعون إلى التوسع في أحكامها لتشمل الجرائم التي يرتكبها السادة النواب، يقدم البرلمان البريطاني مثالا يحذى حذوه في التطبيق الأمثل والأكثر دستورية للحصانة النيابية. فقد اعتقلت الشرطة البريطانية قبل أيام النائب العمالي إيريك جويس بتهمة التسبب في مشاجرة في البرلمان والاعتداء بالضرب على نواب آخرين، حيث تم توقيفه تحفظيا لبضع ساعات قبل أن يتم الإفراج عنه بكفالة. ولم يجرؤ النائب نفسه أو أي من السياسيين البريطانيين أن يدفع بتمتعه بالحصانة النيابية لغايات عدم توقيفه عن الجرم الذي ارتكبه في البرلمان البريطاني.
كما سبق وأن تمت محاكمة عدد من النواب البريطانيين وصدرت بحقهم قرارات بالحبس أثناء انعقاد جلسات البرلمان وذلك بسبب ارتكابهم جرائم لا علاقة لها بعملهم النيابي. ففي عام 2009 هزت أروقة البرلمان البريطاني فضيحة كبرى تمثلت في قيام النواب بالتلاعب بنظام العلاوات والبدلات النيابية وذلك من خلال تقديم فواتير وحسابات مزورة، وقد تمت ملاحقة أولئك النواب المتورطين جنائيا والزج ببعضهم في السجون أمثال جيم ديفاين وآند شايتور وديفيد شيتور من دون أن يقبل منهم الدفع بالحصانة النيابية كون الأفعال الجرمية التي أسندت إليهم لا صلة لها بعملهم في مجلس العموم البريطاني. كما صدر قرار قضائي بحبس عضو مجلس اللوردات اللورد أرشر على خلفية فضيحة العلاوات لمدة 18 شهرا ولم يقبل دفعه بالحصانة النيابية للسبب نفسه.
في الأردن ورغم أننا ننظر بعين الإجلال والإكبار إلى التجربة الدستورية البريطانية ونضغط باتجاه أن نحذو حذوها فيما يتعلق بالملكية الدستورية، إلا أننا نعجز عن فهم أبسط المبادئ الدستورية حول آلية التعامل مع أعضاء مجلس النواب حيث نطالب بمكافأتهم عن سوء سلوكهم وانحرافهم عن الصراط المستقيم. فالنائب البريطاني الذي تم توقيفه بتهمة الاعتداء بالضرب على زملائه داخل البرلمان قد تم طرده من حزب العمال البريطاني، وقام بتقديم اعتذار خطي للشعب البريطاني وأعلن عزمه اعتزال الحياة السياسية بعد انتهاء فترة البرلمان الحالي، في حين أن النائب الأردني الذي هدد بشهر سلاحه في وجه زميله لم يتمكن أحد من توجيه اللوم إليه بحجة أن له حصانة نيابية مطلقة.
إن الحل الأمثل في ظل الاختلاف في تطبيق أحكام الحصانة النيابية أن يتم الطلب من المحكمة الدستورية تفسير أحكام المادة (86) من الدستور وتحديد ما إذا كان نطاقها يمتد ليشمل الجرائم التي ترتكب قبل العضوية في مجلس النواب وأنها تطبق على أنواع الجرائم كافة التي يرتكبها النائب بغض النظر عن تعلقها بالعمل النيابي، أم أنه يجب أن يقتصر نطاق الدفع بها على الجرائم التي ترتكب بعد اكتساب العضوية النيابية وضمن نطاق أضيق يقتصر على الجرائم التي يرتكبها النائب وتكون ذات صلة بعمله التشريعي والرقابي أثناء انعقاد دورات المجلس.
إن هذا القرار التفسيري عندما يصدر عن المحكمة الدستورية سينهي الجدل القائم بين الأوساط القانونية والقضائية حول نطاق الحصانة النيابية في الدستور الأردني، وسيكون منارة للاسترشاد به في المستقبل لتطبيقه عند وقوع حالات متشابهة في المجالس النيابية القادمة.
يروق لبعضهم القول أن الحصانة النيابية كما وردت في الدستور الأردني مطلقة تمتد لتشمل أنواع الجرائم كافة التي يرتكبها النائب قبل اكتسابه صفة النيابية وتلك التي يرتكبها أثناء فترة اجتماع المجلس بغض النظر عن طبيعتها ومدى تعلقها بالعمل النيابي. فهم يرون أن المادة (86) من الدستور قد حظرت توقيف أي نائب أو محاكمته أثناء اجتماع المجلس ما لم يصدر قرار حول ذلك من الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، وأن المشرع الدستوري لو كان يريد تضييق نطاق تلك الحصانة لنص على ذلك صراحة في المادة الدستورية السابقة.
نحترم هذا الرأي ونقر بأن الممارسات السابقة في الأردن كانت تقوم على أساس الدفع بالحصانة النيابية لوقف إجراءات محاكمة أي نائب أثناء اجتماع المجلس وتأجيلها إلى حين انتهاء الدورة البرلمانية.
في المقابل، فقد ظهر اتجاه جديد أكثر تشددا في تفسير الحصانة النيابية يدعو إلى تقصير نطاق الحصانة النيابية لتشمل الأفعال الجرمية التي يرتبكها النائب أثناء فترة وجوده في مجلس النواب وتلك التي تتعلق بعمله النيابي. فالهدف من تقرير الحصانة النيابية الإجرائية هو عدم تعطيل النائب أو تأخيره عن جلسات مجلس النواب من جراء أفعال يفترض أنه قد قام بها بصفته نائبا يسعى إلى حماية المصلحة العامة، إذ أن من شأن محاكمته عنها أمام المحاكم الجزائية أن تشغله عن حضور جلسات المجلس النيابي. إلا أن هذا الهدف النبيل للحصانة الإجرائية لا يمكن أن يتحقق ما لم يقتصر نطاق الفعل الجرمي الذي يرتكبه النائب على الإتيان بفعل أو الامتناع عن عمل ذات صلة بعمله النيابي، ذلك أنه يجب أن لا يتم التوسع في تفسيرها لتشمل أي أفعال أو جرائم أخرى قد يرتكبها النائب والتي قد لا تكون لها علاقة بعمله في مجلس النواب.
إن الحصانة النيابية الإجرائية هي بحد ذاتها تعطيل لنصوص قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية فيما يتعلق بالجرائم التي يرتكبها النائب أثناء اجتماع المجلس وإمكان ملاحقته عنها. لذا فإنه يجب أن تعامل على أنها حصانة مؤقتة بمعنى أنها تطبق فقط في الفترة التي يكون فيها مجلس النواب منعقدا، ونسبية بمعنى أن تقتصر فقط على الأفعال الجرمية التي يرتكبها النائب وتدخل في صميم عمله النيابي المتمثل بالرقابة والتشريع.
وقد انعكس هذا الاختلاف في تفسير النص الدستوري الخاص بالحصانة النيابية على قرارات المحاكم الأردنية التي صدرت مؤخرا، ففي الوقت الذي أوقفت فيه محكمة صلح جزاء عمان النظر في الشكوى الجزائية المقامة ضد النائب يحيى السعود بجرم حجز بطاقات انتخابية لكونه يتمتع بالحصانة النيابية، قررت محكمة جنايات عمان الاستمرار في نظر الشكوى الجزائية المقامة ضد النائبة رولى الحروب التي تحاكم عن تهمتي تقويض نظام الحكم والمس بكرامة الملك بسبب أن الواقعة الجرمية المنسوبة إليها قد وقعت قبل أن تصبح عضوا في مجلس النواب، بالتالي فلا تطالها الحصانة النيابية.
وعلى خلاف الوضع في الأردن، فإن حكم الحصانة النيابية في بريطانيا أكثر وضوحا واستقرارا لصالح الأخذ بالرأي الثاني المتشدد في نطاق تطبيقها. فقد شاءت الظروف أنه في الوقت الذي يجادل فيه القانونيون الأردنيون حول نطاق الحصانة النيابية ويدعون إلى التوسع في أحكامها لتشمل الجرائم التي يرتكبها السادة النواب، يقدم البرلمان البريطاني مثالا يحذى حذوه في التطبيق الأمثل والأكثر دستورية للحصانة النيابية. فقد اعتقلت الشرطة البريطانية قبل أيام النائب العمالي إيريك جويس بتهمة التسبب في مشاجرة في البرلمان والاعتداء بالضرب على نواب آخرين، حيث تم توقيفه تحفظيا لبضع ساعات قبل أن يتم الإفراج عنه بكفالة. ولم يجرؤ النائب نفسه أو أي من السياسيين البريطانيين أن يدفع بتمتعه بالحصانة النيابية لغايات عدم توقيفه عن الجرم الذي ارتكبه في البرلمان البريطاني.
كما سبق وأن تمت محاكمة عدد من النواب البريطانيين وصدرت بحقهم قرارات بالحبس أثناء انعقاد جلسات البرلمان وذلك بسبب ارتكابهم جرائم لا علاقة لها بعملهم النيابي. ففي عام 2009 هزت أروقة البرلمان البريطاني فضيحة كبرى تمثلت في قيام النواب بالتلاعب بنظام العلاوات والبدلات النيابية وذلك من خلال تقديم فواتير وحسابات مزورة، وقد تمت ملاحقة أولئك النواب المتورطين جنائيا والزج ببعضهم في السجون أمثال جيم ديفاين وآند شايتور وديفيد شيتور من دون أن يقبل منهم الدفع بالحصانة النيابية كون الأفعال الجرمية التي أسندت إليهم لا صلة لها بعملهم في مجلس العموم البريطاني. كما صدر قرار قضائي بحبس عضو مجلس اللوردات اللورد أرشر على خلفية فضيحة العلاوات لمدة 18 شهرا ولم يقبل دفعه بالحصانة النيابية للسبب نفسه.
في الأردن ورغم أننا ننظر بعين الإجلال والإكبار إلى التجربة الدستورية البريطانية ونضغط باتجاه أن نحذو حذوها فيما يتعلق بالملكية الدستورية، إلا أننا نعجز عن فهم أبسط المبادئ الدستورية حول آلية التعامل مع أعضاء مجلس النواب حيث نطالب بمكافأتهم عن سوء سلوكهم وانحرافهم عن الصراط المستقيم. فالنائب البريطاني الذي تم توقيفه بتهمة الاعتداء بالضرب على زملائه داخل البرلمان قد تم طرده من حزب العمال البريطاني، وقام بتقديم اعتذار خطي للشعب البريطاني وأعلن عزمه اعتزال الحياة السياسية بعد انتهاء فترة البرلمان الحالي، في حين أن النائب الأردني الذي هدد بشهر سلاحه في وجه زميله لم يتمكن أحد من توجيه اللوم إليه بحجة أن له حصانة نيابية مطلقة.
إن الحل الأمثل في ظل الاختلاف في تطبيق أحكام الحصانة النيابية أن يتم الطلب من المحكمة الدستورية تفسير أحكام المادة (86) من الدستور وتحديد ما إذا كان نطاقها يمتد ليشمل الجرائم التي ترتكب قبل العضوية في مجلس النواب وأنها تطبق على أنواع الجرائم كافة التي يرتكبها النائب بغض النظر عن تعلقها بالعمل النيابي، أم أنه يجب أن يقتصر نطاق الدفع بها على الجرائم التي ترتكب بعد اكتساب العضوية النيابية وضمن نطاق أضيق يقتصر على الجرائم التي يرتكبها النائب وتكون ذات صلة بعمله التشريعي والرقابي أثناء انعقاد دورات المجلس.
إن هذا القرار التفسيري عندما يصدر عن المحكمة الدستورية سينهي الجدل القائم بين الأوساط القانونية والقضائية حول نطاق الحصانة النيابية في الدستور الأردني، وسيكون منارة للاسترشاد به في المستقبل لتطبيقه عند وقوع حالات متشابهة في المجالس النيابية القادمة.