أين هو التغيير؟

كمواطنين عرب يبدو أننا نعيش عالما من التخيلات عن الحياة الديموقراطية، وإذا تطلعنا إلى العالم العربي بعد سنتين من ربيعه بفصوله، المزهرة والرمادية والدامية. نجد ان المسافة بين ما نحلم وبين الواقع كالتي بين الأجرام في السماء. فأين هو التغيير من اجل الحرية والكرامة ومكافحة الفساد وأخيرا من اجل حكومة ديموقراطية؟ بل اين هو التغيير المفترض ان يحدث على صعيد العلاقات البينية، الاقتصادية والسياسية، بين الدول العربية؟
لا شئ ملموس لقد تغيرت حكومات في الشكل والأشخاص لكن آليات العمل والاساليب السابقة في إدارة الدولة والمجتمع بقيت على حالها ان لم تكن الأحوال قد أصبحت أكثر قسوة وسط ثورات لم نر من معالمها الواضحة غير هذه الفوضى التي تنتشر بين صفوف المجتمعات ومؤسسات الدول.
لقد خلفت الأنظمة الاستبدادية تركة ثقيلة عشعشت في عقول الناس بعد عقود طويلة من تغييبهم عن ممارسة الحريات الأربع: حرية الفكر وحرية القول وحرية الاعتقاد الحزبي وحرية الاجتماع هذه التركة تحولت في معظم ساحات الربيع العربي الى فوضى وتحدً للقانون مع استسهال الاعتداء على حريات الآخرين.
لقد جردت الانظمة الاستبدادية المجتمعات من ثقافتها الدينية السمحة عندما تحول الحاكم الى فرعون وغابت العدالة الاجتماعية التي تشيع روح المواطنة فازداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، وغدا لإثراء غير المشروع والسطو على المال العام شطارة وحق لعمرو دون زيد، فيما أصبحت مواقع المسؤلية ومراكز السلطة تورث للأبناء كالعقار بينما صور العمل الحزبي تآمر على الدولة والشعب !.
اين هو التغيير ؟ سواء عند الشعوب التي اختارت إسقاط النظام أو تلك التي رضيت بإصلاحه ؟ فالاحتجاجات لا تزال مستمرة من بلد إلى آخر ومن جمعة إلى التي بعدها، وبعض هذه الاحتجاجات يتطور إلى عنف قد ينتهي بسقوط قتلى وجرحى، وهو ما كان يندر حدوثه في عهود الاستبداد عندما كانت الشعوب تذعن لاملاءات الحكام وتنصاع لأوامرهم السنية فلا تحرك ساكنا.
كأننا اليوم أمام جماهير تريد ان تلعب دور مستبديها السابقين وهي تسعى بالعنف لفرض إملاءاتها على حكامها الجدد، سواء كانت مطالبها عادلة أم غير معقولة لقد حرر الربيع العربي الجماهير من الخوف من الأنظمة المستبدة والأمنية، كما حررها من عادات الذل والخضوع، لكنه لم يولد بين صفوفها قيماً جديدة عن الحرية لبناء مجتمعات حرة وثقافةديموقراطية.
لقد غاب دور القيادات الفكرية والثقافية عن ثورات وحراك الربيع العربي كما غابت عنها القيادات الشعبية والسياسية، وللأسف نرى تراجع الفرص أمام انتشار الثقافة الديموقراطية بين الشعوب لصالح ثقافات ظلامية، بعضها اشد فتكاً بالحريات من الاستبداد، كما هو حاصل بين صفوف الثورتين الليبية والسورية.
ولغياب القيادات السياسية في ثورات الربيع العربي نرى خيبة الأمل لعدم ظهور سياسات قومية تعيد اجتماع الأمة ودولها حول أهدافها المركزية مثل قضية القدس وفلسطين، أو حول مسائل السوق الاقتصادية وقضايا الأمن القومي والدفاع المشترك. في هذا المجال لا يزال الوزير البريطاني أنتوني ايدن صاحب فكرة الجامعة العربية (في عهود الاستعمار) من له الفضل الاول والاخير في مسألة العمل العربي المشترك خاصة أمام زمن نترحم فيه على (المغفور لهما سايكس وبيكو) أمام ما نرى ونسمع من دعاة الطائفية والإقليمية والقسمة والانقسام !