علي السنيد يكتب :الدكتاتورية إذ تتهاوى أمام مظاهرة

 

أخبار البلد  -  لم تكن سوى ساعات معدودة تفصل بين قولي لمحدثي أن يوما أو يومين ربما سيحددان مصير الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إلى الأبد، حتى ورود خبر فراره من تونس ، وقد بدا واضحا أن زمام الشارع التونسي افلت من يده، وأصبح مصيره معلقا بإرادة الجماهير الثائرة سلميا ، والتي لم يعد أمامها من خيار أخر سوى طرده ، وقد فشل الرجل الغارق في أوهام السلطة عن تحديد اتجاهات الشارع الحقيقية، وهو الذي أحاط نفسه بعالم كبير من الأكاذيب وأباطيل السلطة سرعان ما أن تهاوى أمام هتافات الجماهير الحرة، وحراك الشارع، ودماء شهداء الحرية في الشارع التونسي. وهذا ما يعيد إلى الواجهة مدى صدقية العقد الاجتماعي المعلن ما بين الحاكم والمحكوم في الجمهورية العربية، وما يتخلله من تضليل، وحجب لماهيته الحقيقية التي ترتبط أساسا برضى الناس حتى لا تقع الكارثة، وتتحول رجالات السلطة التي تبدو في قمة خيلائها، وقدسيتها إلى مجرد جهات طريدة بالكاد تجد من يستقبلها على أرضه.

 

وتسجل تونس قصة فشل أخرى في ممارسة السلطة العربية التي غيبت مصالح الناس، وهي التي لا تقبل شرعية تقل عن نسبة 99% من إرادة الجماهير المغتصبة. وهي سلطة لا تستمد ذاتها من إرادة الناس الحرة، ولا تعتمد صناديق الاقتراع وأدوات السلطة الحديثة، وتعمد إلى إلغاء المؤسسات، وتزوير الوعي، وتضطهد المفكرين وأصحاب الرأي ليفروا من بلادهم، وتتوسع على حساب الحريات والحقوق الأساسية، وتستولي على المقدرات الوطنية، وتمارس شتى صنوف القهر والاضطهاد في منع النقد، وتستخدم السجون، والقبضة الأمنية في مواجهة حراك الشارع، وتبتعد عن معالجة هموم الناس الأساسية، والالتفات إلى معاناتهم اليومية، وتحول الوطن إلى حالة عجز مستمرة، وتغلق الأبواب في وجوه الضعفاء، ولا تصغي لصوت الشارع، ولا تعطي الناس أملا للمستقبل، وتفسد عيش، وأحلام الفقراء، وتنتج صيغة للحكم تفضي إلى تقاسم المكتسبات في حدود الشلل والأقارب والأصهار، على حساب الكفاءات، وتتشكل طبقة متخمة من الذوات تعيش على كد البسطاء، ويصبح عيش المواطن مرا،  والصحة، والتعليم والمتطلبات الأولية عسيرة على العامة، وتجد الناس نفسها فقط موظفة في حب الدكتاتور، وإظهار مشاعر الامتنان له، والإشادة بانجازاته العظيمة، وتقديسه، تحيط بها هالة من الخوف والذعر فيما لو تناهى إلى فكرها انتقاده، أو قول الحقيقة.

 

وهذه السلطة المؤقتة التي لا تحقق شروط البقاء تحاول أن تظهر بصورة أبدية، وتبالغ في إظهار أدوات القوة، والعظمة، والجلال حتى تنهار تلك السلسلة من الأكاذيب في أيام معدودات، والغريب أن الزعيم الذي أرعب شعبه لعشرات السنين لا يحتمل عدة أسابيع من غضب الشارع، ويسارع إلى الهرب فارا لينجو بنفسه، وتصبح حياته في غاية الأهمية ، وهي التي هدرها لغيره على أتفه الأسباب، وتتهاوى أباطيل السلطة التي قامت ضد إرادة الناس، ومصالحهم الحقيقية، وهو ما قد يفسر بعض التصرفات المجنونة في استخدام السلطة، والجور الذي أودى بحياة الشعوب وتقف من خلفها شخصيات تتميز بالجبن، والضعف تتغطى بالسلطة لإخفاء عجزها، وتبالغ في أدوات القوة، وتدخل الشعوب بعهود من الظلام والوحشية.

 

ما جرى في تونس أماط اللثام أيضا عن حقيقة الجماهير العربية التي كانت توصف بالعجز، والتخاذل وافتقادها للتطلع إلى المستقبل، وقرب الإنسان العربي من نظيره العالمي في مطالبه بحياة كريمة يتحقق فيها العدل والمساواة والمشاركة السياسية، واثبت قدرته على دفع ثمن هذه المتطلبات التي قد تصبح التضحية في سبيلها خيارا لا بد منه أمام قسوة السلطة العربية، وتعنتها، وعدم أخذها مطالب الناس العادلة بعين الاعتبار.

 

علي السنيد