يا معشر الرعية ...!

كلما أوغلت في قراءة مصادر التاريخ، شعرت بأن على الساسة في عالمنا العربي أن يقرأوا، فما تقدمه المصادر من فكر وتجارب، لا يمكن أن يجده السياسي لا في مجلس الوزراء ولا تحت القبة إياها ولا في الصالونات السياسية .. إنها مصادر ثروة وخبرة تمنح من يدخل عالمها حصافة يفتقدها الساسة العرب .. ولا أدري ما هي مصادر فكر ساسة العالم؟، ولكن خبرات البشرية في مجال الفكر السياسي متاحة وعميقة منذ اليونان وحتى يومنا الذي تحول فيه العالم كله إلى كبسة زر ليصلنا كل ما نحلم به من فكر وتراث البشرية .. المعرفة متاحة فلماذا يكون ساسة العرب بهذا التسطيح ...؟

الدعوة للقراءة في مصادرنا التي تحوي خلاصة الفكر السياسي للأمة لا تقتصر على الساسة، بل تصل المثقف المتبحر في الثقافة والعادي أيضا، وقد استوقفتني مقولة للخليفة الأموي الداهية عبد الملك بن مروان الذي اعترف بأن ( الوقوف على المنابر شيبه قبل أوانه ) نقلها عنه الجاحظ في « البيان والتبيين « تقول : ( قال عبد الملك على المنبر : « ألا تنصفوننا يا معشر الرعية ..؟ تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر ولم تسيروا في أنفسكم ولا فينا بسيرة رعية أبي بكر وعمر .. أسأل الله أن يعين كلا على حاله « هذا ما قاله عبد الملك على المنبر قبل مئات السنين، وهو ما لفت نظر الجاحظ، وهو من هو عليه من الفكر والنظر والوعي ...!

فيا معشر الرعية، ويا ساسة العرب، لا نقول إلا ما قاله عبد الملك وهو على المنبر الذي « شيبه قبل أوانه « : نسأل الله أن يعين كلا على حاله «..، ونحن في مطلع قرن سالت فيه دماء العرب بأيدي العرب، لا بيد الاستعمار ولا غير الاستعمار، مشكلتنا نحن الذين ندرس التاريخ لطلبة عرب، كيف سنفسر لهم علاقة الحاكم بالمحكوم عند العرب ..؟ كيف ..!