القدس...؟

القدس...؟
نبيل عمرو - عمان
- فاقد الدهشة يروي لنا الحكاية...!
- بالأمس ، تحقق إنجاز عظيم ، وقد عادت القدس إلى حاضنتها الشرعية ، عادت بهلالاتها وصلبانها مُعلقة في رقاب الهاشميين ، وإن كان الفلسطينيون قد أودعوا القدس في عُهدة ملك العرب ، الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه ، فعاش ومات من أجلها ودُفن فيها ، فإن أهل خليل الرحمن علقوا مفاتيح الحرم الإبراهمي الشريف في رقبة المغفور له ، الشهيد عبد الله بن الحسين الأول ، واليوم نرى التاريخ يُعيد نفسه بتجديد البيعة ، فبالأمس قد تكرس مجددا عبدالله الثاني ابن الحسين خادما للحرم القدسي الشريف ، أعانه الله وأعان شعبه من أهل جنوب الديار الشامية ، على هذه المسؤولية بأبعادها العقائدية ، برمزيتها الروحانية وبالحفاظ على عروبتها وإسلاميتها ، وإن كان هذا فخر عظيم للأردنيين ، فأنه ثِقل كبير يحتاج وفي هذه المرحلة بالذات ، إلى تصليب وتمتين الجبهة الداخلية الأردنية ، حيث بات واضحا أن هناك ترتيبات يجري إعدادها وراء الكواليس ، تحمل في ثناياها عملا سياسيا ، يخص قضية فلسطين ، بشكل ما وفي وقت غير بعيد .

-في منأىً عن العاطفة العربية ، الإسلامية ، المسيحية والإنسانية تجاه مدينة القدس ، مدينة السلام وزهرة المدائن ، جاء فاقد الدهشة على عجل ، ليقول ناهيك عن أن القدس عقيدة العرب مسلمين ومسيحيين ، فإن القدس ضمن معادلة الصراع العربي بمكونيه المسيحي والإسلامي من جهة، ومع المُحتل الصهيوني من جهة أخرى ، تُعتبر مُفترق الطرق بين الحرب والسلام ، بين الحياة والموت ، وهذا لا يتوقف عند الصراع الناشب منذ عقود بين العرب واليهود فحسب ، إنما القدس وهي بوابة السماء ، هي المقدمة الأولى لترسيخ مبادئ السلم العالمي ، فما دامت القدس ترزح تحت نير الإحتلال الصهيوني ، يعبث بمقدساتها ويدنسها ، يمارس الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني ، يستلب الأرض ويملؤها بالمستوطنات، ينتهك الحرمات ويحرِم الفلسطينيين من أبسط حقوق الإنسان ، فسيبقى الصراع مُستمرا والحروب مشتعلة بين الحق العربي والباطل اليهودي.
- التفوق اليهودي...!
- إلتفت إلي فاقد الدهشة وقال : أبكيك يا زمن العُهر ، فلو كنت ثريا لصدقني الناس يوم قلت إن إسرائيل ومن ورائها أمريكا في أسوأ حالات ضعفهم ، ليس على الصعيد الشرق أوسطي فحسب ، بل على الصعيد الدولي أيضا ، أما وقد أصابني الذهول من هذا التصريح المُدهش ، فقد إغتنمت فرصة إنشغال فاقد الدهشة في بعض طقوسه ، حين كان يملأُ كوب الشاي ، يشعل سيجارة وينفث الدخان ، لأعاجله بالسؤال ، إن كان يشعر بصداع أوحُمّى ، سببت له هذا الهذيان ، ويريد إقناعي بأن إسرائيل وأمريكا في حالة ضعف ، حتى خشيت أن يقول أن العرب باتوا أقوى...!
-بدون تعليق ، رماني اللعين بنظرة باهتة ورسم على شفتيه تلك الإبتسامة الصفراء بطابعها اللئيم ، ثم قال :لا بأس فأنا لا أعتب عليك ، وأعلم أنك من جيل الجُبن والغباء معا ، من الذين يعتبرون المرأة عورة ، لأنك ما تزال تعتقد أن القوة هي حاملات الطائرات ، الصواريخ ، الدبابات والنووي ، ولا أنتظر منك أن تفهم أن الأمور أعقد بكثير من هذا ، لأنك لم تستوعب أهم ما أنجزه الربيع العربي ، كقوة أشد فاعلية من كل هذه الأسلحة ، وأن شبان وصبايا الربيع العربي باتوا يشكلون قوة ردع ، بدد أهمية كل ما لدى أمريكا وإسرائيل من تلك الأسلحة وقدراتها ، ولن أندهش أنك وجيلك ما تزالون تستعملون الشتائم والأدعية ، للتفوق على إسرائيل وإضعاف أمريكا ، لأنكم لا تدرون معنى أن شعوب الربيع العربي كسرت حاجز الخوف ، وهو ما يقض مضاجع إسرائيل ويهدد مصالح أمريكا في الشرق الأوسط ، لا بل في العالم ، وسبب إرتباكك ومن على شاكلتك أنكم لا تنظرون أبعد من أنوفكم ، وتتعاملون مع الشكليات بغير غوص في الإستراتيجيات.
- بسرعة سألت ، وماذا بعد...؟
- بزهو لا يخلو من الإستعلاء ، أصر فاقد الدهشة على تجديد القهوة ، وأشعل سيجارة وقال : إذا علينا العودة إلى المربع الأول ، القدس ، فلسطين والشرق الأوسط ، وبكائية أزمتي المالية ، التي تُعيق مصداقيتي عند البشر ، الذين لم يصغوا إلي ، حين قلت غير مرة أن القدس صُرة الكرة الأرضية ، وأن فلسطين قلب الشرق الأوسط والأخيرهوعاصمة العالم ، وإن فَقَدَت أمريكا حكمها وتحكُمها بالشرق الأوسط ، فهذا يعني أنها إنتهت كقطب أوحد وربما لن تكون الثاني في العالم ، بالإعتبار لعدة عوامل أساسية تحمل ذات القلق لإسرائيل كما لأمريكا ، فبالإضافة إلى لفشل السياسة الأمريكية في غير مكان في هذا الإقليم وما حوله في جنوب شرق آسيا تحديدا ، فإن تصاعد قوة مجموعة البريكس سياسيا ، تقنيا ، إقتصاديا وتسليحيا ، يضاف إلى ذلك سقوط أمريكا أخلاقيا وقانونيا في إنحيازها لإسرائيل بغير وجه حق ، تنامي الإستياء لدى الشعب الأمريكي وشعوب أوروبا والعالم ، من النهج العنصري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني ، وحماية أمريكا لهذا النهج اللاأخلاقي وغير القانوني ، ناهيك أن الشعوب العربية والشرق أوسطية ، لم تعد تلك الشعوب الخانعة للأصنام التي تُنصبها أمريكا حكاما ،فأمريكا لديها ملايين العيون والآذان ، وباتت تدرك أن الشرق الأوسط ، إسرائيل ، النفط وكل مصالح أمريكا أصبحت تحت رحمة المجهول ، الذي بات في عُهدة الشعوب الثائرة على حكامها التي طالما إعتمدت عليهم أمريكا.
- وقد شعر صديقي اللدود أنني بصدد حديث أو تساؤل ، إستمر قائلا ، أما وإن توقفنا عند أهم دولة عربية مصر ، ومن ثم سورية والعُراق ، سنجد أن أمريكا وإسرائيل في ورطة متنامية ، فهذه الدول الثلاث هي المجهول بعينه ، أم أنك وبقية الأغبياء لم تستوعب الدور القطري في قمة العرب الأخيرة بعد...؟ وتظنون أن المصالحة الفلسطينية ، السودانية والأفغانية وتغييب جبهة النُصرة عن المسرح السوري ، والضغط على حكومة المالكي في بغداد ، وبغير نسيان لأهم مصالحة بين تركيا وإسرائيل، هي مجرد عوامل وشؤون داخلية في هذه البلدان...؟
- سارعت للتعبير عن ذهولي لما سمعت من فاقد الدهشة ، وقلت : ألا ترى أنك توهتني وعبرت بي إلى دهاليز الغموض...؟ فما علاقة كل هذه المعادلات السياسية ، وهذا التنظير والشرح المطول ، فيما بدأته من حديث عن القدس ، وتجديد دور الهاشميين في حمايتها ورعاية مقدساتها ...؟ ، أم أنك تريد الكلام والسلام...؟
- إستشاط اللعين غيظا ، ونعتني بالغباء ووصفني بقلة الحيلة ، وشتم اليوم الذي عرفني فيه ، وبكل عُنجهية طلب علبة سجائر ونستون أحمر وولاعة جديدة ، وتسخين القهوة ، وبعد أن أمنت له كل ذلك ، مارس طقوسه مجددا وتتوج منظرا ، ومن ثم قال : الآن وبسرعة ستتم عملية برمجة الإصطفافات الإقليمية من جديد ، حيث بات ضروريا إحداث إختراق نوعي في قضية فلسطين ، من شأنه أن يشكل أهم عوامل الأمن لإسرائيل ، كأهم مصلحة أمريكية في الشرق الأوسط توازي الطاقة ""النفط"" وبقية المصالح الأمريكية الأخرى ، ناهيك عن أن مثل هذا الإختراق سيُفتِّر غضب العُصابيين الإسلاميين ، ويُعيد تشكيل مفهوم الإسلام السياسي ، في الوقت الذي تضغط فيه الحالة المصرية ، على العصب الرئيس لجماعة الإخوان المُتأسلمين ، إذ من المرتقب أن يُخفف نظام الحكم الحالي في مصر من حدة خطابه الديني ، ليلعب سياسة بمنهاجية أردوغانية ، وإن لم يفعل بنجاح فسيتم إسقاطه في الشارع المصري وبدعم من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المصرية ، أم أنك كبقية الجهلة لم تستوعب مواقف هذه القوات والأجهزة في موقفها من إتفاقية السلام مع إسرائيل...؟ وما يترتب على مصر من فعل لتمرير عملية برمجمة الإصطفافات التي تديرها قطر ...؟
- فيما أنا أتأمَّل وأتفكَّر بهذه الطروحات التي يتبناها فاقد الدهشة ، وهو منشغل بطقوسه المعهودة ، وفيما أنا على وشك السؤال مجددا عن القدس كعنوان لهذا الخطاب ، تنبه فاقد الدهشة ، القادر على قراءَة أفكاري ، وكي يستمر مزهواً باغتني قائلا : لا يغرَّنك ما تقوله إسرائيل ، فحتى شعار ""القدس عاصمة إسرائيل الأبدية"" لا يعدو كونه مناورة سياسية لإثبات الوجود الإسرائيلي ككيان غير مُهدد عربيا وإسلاميا ، وهو إن حظيت به إسرائيل سيكون كما يقول الأتراك ""بركات ورسن"" وسيبقبل بعده الأسرائيليون أياديهم ""وجها وقفا"" كما يُقال شعبيا ، أي خيرا وبركة ، أما لماذا إتفاقية القدس الأخيرة ، فقد سبق أن أكدنا عليه بطرق عدة ، ومن أهمها أن علاقة الأردنيين والفلسطينيين ، علاقة حياة ومصير ، والأردن شريك أساس في كل خطوة تقدم أو تؤخر في بداية ونهاية قضية فلسطين . وعليك وعلى أقرانك أن يفهموا هذا جيدا ، جيدا. وغادر