مسيرات الجمعة ؛ محاولة للفهم..

 

مسيرات الجمعة ؛ محاولة للفهم..

 

د. محمد احمد جميعان

 

لست معنيا هنا ، بتبني وجهات نظر بعينها ، فقد اختلطت هذه المرة وتداخلت ولم يعد بينها فاصل او تمايز ، بل دعوني اذهب ابعد من ذلك واقول؛ لقد تكشف لنا من خلال هذه المسيرات لاول مرة ما تكشف ، ولم يكن لنعرفه او نتاكد منه لولا هذه المسيرات التي جرت في الجمعة الماضية .

 

ولكنني معني بالتحليل ، ومحاولة فهم ماجرى ، وما سوف يجري ، وما هو الحل والمخرج ان استطعت الى ذلك سبيلا .

 

بداية لا بد من تحديد بوصلة التحليل واهدافه وتتمثل؛ في التحليل الموضوعي من اجل  ادراك الحقائق التي تخدم الوطن واهله واستقراره والنظام السياسي الذي يحكم ذلك كله  ، والذي اكدت عليه المسيرات، تلاحم سلس وواضح ما بين الشعب والامن في ايصال الرسالة ، ومحبة وتفاهم ما بين القائد والمشاركين التي ظهرت في شعاراتهم .

 

هناك معطيات افرزتها هذه المسيرات، وهنا لست بصدد الحديث التقليدي والمكرر او المعطيات الاعتيادية ، بل تلك المعطيات التي ميزت هذه المسيرات وجعلتني اتحمس في تحليلها واصبر غورها، ما امكنني ذلك.

هذه المعطيات تتمثل فيما يلي :

 

1-                                       تركزت شعارات هذه المسيرات على الوضع الاقتصادي وضنك العيش والفوارق الاجتماعية وقضايا الفساد وما يمس الناس ومستقبلهم ، وقد غابت تلك الشعارات السياسية التقليدية ذات المصطلحات الفضفاضة والعنترية والدعائية " المعروفة بحجمها الكبير وتاثيرها القليل وتسجيل المواقف ليس اكثر " التي عادة ما تفرزها بعض احزاب المعارضة وتردد في كل مناسبة .

 

2-                                       لقد شاركت في هذه المسيرات مختلف المحافظات تقريبا بما فيها المخيمات، وكان هناك تناغم في الهم والشعارات، ولعل شعارات المخيمات كانت داعمة ومعززة، فقد جمعت شعارات الفقر والعودة ، والاصرار على حق العودة ورفض كل من يريد طمس هذا الحق المقدس .

 

3-                                       تكشفت حقائق كانت متداولة، ولكنها ثبتت الان بالوجه الشرعي اليقيني وهي ؛ ضعف تاثير احزاب المعارضة والنقابات في الشارع وتحريكة قد يصل حد العدمية وفقدان التاثير ، بل اكتملت لدينا الحقيقة التي نعرفها جيدا حين لم تستطع هذه المعارضات ان تخرج مسيرة من بضعة عشرات نصفهم او اكثر لا علاقة لهم بالنشاط  رغم ان بعض النشاطات لها وقع في النفوس، وكاني بالعقل الجمعي الذي عادة ما يتصف بالصفاء والنقاء ويمثل بوصلة القياس الحقيقية لنبض الشارع ، كاني به يقول؛ كل ما تنادي به هذه القوى مرفوض ولو كان له صدى في الصدور ، فحين احجمت هذه القوى " الديكورية " عن المشاركة انطلق الناس بفطرتهم واوصلوا الرسالة بامان واخلاص وهدوء ومحبة للوطن والقائد والامن . ومن هنا فاني اضع يدي على سبب رئيس لضعف التنمية السياسية وهو فقدان المعارضة ومقارها لاي تاثير في حياة الناس ووجدانهم السياسي والاجتماعي والثقافي مما يضعنا في حاجة ملحة وضرورية لاحزاب وقوى تلامس حاجات الناس وهمومهم وتشكل دعامة اساسية في استقرار الدولة..

 

4-                                       حقيقة اخرى ايضا تاكدت رغم ان ملامحها كانت واضحة بعد الثقة غير المسبوقة، وهي ثقة الناس بالنواب وصلت الى حدود غير مقبولة ، ولا تصلح اعتبارها سندا يصلب النظام ويدعمه ، وهذا بدى واضحا من الهتافات والشعارات التي نددت بهم، والمواقف التي ظهرت من رفض الناس مشاركة هؤلاء النواب في مسيراتهم ، للحد ان بعض هذا الرفض والشعارات لا يمكن كتابتها  ونشرها ..

 

 

5-                                       لقد اثبتت هذه المسيرات، ولله الحمد، ان لدينا شعب على مستوى عال من الوعي والثقافة والالتزام وايصال الرسالة كما يجب وانه ليس بحاجة لوصاية ما يسمون انفسهم بالنخب والرموز والمعارضات التي اشبعتنا بطولات في صالاتهم المغلقة وعلى مسطحات الورق المطوي في ملفاتهم .

 

6-                                       لاول مرة ادرك واتاكد ان العقل الجمعي وما يرافقه من وعي وصدق واخلاص ، قادر على ايصال الرسالة كما هي، دون ان يشوبها هوى المنظرين وغاياتهم، وانهم على قدرة " بفطرتهم " ان يجتمعوا ويبلغوا صوتهم دون ان يتولاهم ويولى قيادتهم من يريد ان يستغلهم او يصل على ظهورهم .

 

7-                                       لم يستجب المشاركون الى كل من حاول قيادتهم من السياسيين والحزبيين، بل قادوا انفسهم واوصلوا رسالتهم ولم يلتفتوا لاحد سوى الى ايصال رسالتهم، وقد تفرقوا بكل هدوء ومحبة كما كانت بدايتهم في المسيرة  .

 

8-                                       الحراثون الذين انتسب لهم ، اصحاب البداية وملح الارض ، اوضحوا فكرهم ومنهجهم بجلاء عندما رفعوا شعارا رئيسيا لمسيراتهم " شكرا جلالة الملك " وكان ذلك واضحا جليا اكثر عندما اكدوا ان لا سياسيين ولا احزاب يمكن ان تقودنا او توجهنا في حراكنا هذا ، وان لا احد له فضل وشكر سوى قائد الوطن ورمزه .

 

              لقد برزت حكمة القيادة وتجسدت وتعمقت في النفوس من خلال ما سبق المسيرات من توجيهات متميزة بالسماح للمسيرات بالانطلاق دون التعرض لها وما سبق من تفهم لحاجات الناس وظروفهم وما رافق المسيرة من حكمة في التعامل مع الناس وحراكهم .

 

               ومن هنا يمكن القياس والاسقاط ، حيث يقرأ الكتاب من عنوانه ، وعنوان الجمع الذي خرج بالمسيرات كممثل للناس واضحا، من خلال شعاراتهم التي عكست معاناتهم ، ومحبتهم للوطن والقائد والامن واضحا جليا ، ولدي قناعة ان المحبة تلك سوف تتعزز وتتعمق وان القيادة بحكمتها وادراكها المعمق الذي برزت بدايته قبل المسيرات سوف نراه يثلج الصدور جميعا ولن يكون هناك مكان لمن يسعى ان يثبت مواقف اصبحت مكشوفة للجميع .

 

               وتبقى هذه محاولة لفهم ما جرى في هذه المسيرات ، فان كان هناك من يخالفني فهو الراي والتعبير ، وان كان هناك من يؤيدني فهو التوافق ، وللجميع التقدير والشكر والعرفان .

 

 

drmjumian@yahoo.com

http://majcenter.maktoobblog.com

0795849459/ خلوي