دراسة في قانون منع الجرائم

لقد كثر الحديث والمطالبات من عدة جهات ومنها المركز الوطني لحقوق الإنسان بالغاء قانون منع الجرائم والذي تؤكد بعض الدراسات على أنه يتنافى مع توجه المملكة الأردنية الهاشمية لتعزيز حقوق الإنسان كما تحوم حوله شبهة عدم الدستورية نظراً لما يحتويه من قواعد قانونية تشكل خروجاً على مبدأ هام من المبادئ التـي تقوم عليها الدولة القانونية والتـي يعتبر ضمانه هامة من الضمانات الدستورية لحقوق الإنسان ألا وهو مبدأ الفصل بين السلطات ، حيث ان هذا القانون منح الحكام الإداريين ( التابعين للسلطة التنفيذية ) صلاحية ممارسة بعض الاختصاصات التـي تدخل ضمن صلاحيات السلطة القضائية وأهمها التوقيف في بعض الحالات .

من هنا رأيت بانه لا بد من توضيح ايجابيات التوقيف الإداري والتـي منح فيها المشرع الأردني الحكام الإداريين صلاحية اتخاذ بعض الإجراءات والتدابير الضبطية بهدف المحافظة على الأمن العام ومنع وقوع الجريمة وفقاً لنصوص قانون منع الجرائم ولا بد من التأكيد ابتداءاً على أن الإجراءات والتدابير الضبطية تعتبر إجراءات وقائية تستهدف حماية النظام العام من الاعتداء عليه أو انتهاكه عن طريق توقع الأحداث ومنع وقوعها حيث رأينا فيما سبق أن قانون منع الجرائم استمد احكامه من فكرة الضبط الاداري التي كانت سائدة في عصور الفراعنه والرومان وفي العصر الجاهلي وامتدت إلى العصور الاسلامية والحديثة حتى وصلت إلى الدولة الحديثة واصبحت من أول الوظائف العامة التـي إضطلعت بها الدولة الحديثة من خلال دورها في حماية المجتمع وكيانه والأسس التي يقوم عليها هذا الكيان ومن خلال هذه الفكرة أصدر المشرع أول قانون لمنع الجرائم في إمارة شرق الأردن عام 1927م وهي آن ذاك تحت الانتداب البريطاني منح هذا القانون الحاكم الاداري سلطات قانونية وقضائية لا يجوز استئنافها الا لدى رئيس النظار . وأثر استقلال شرق الأردن وانتهاء الانتداب البريطاني صدر الدستور الأردني لسنة 1947 حيث طلب مجلس النواب المنعقد في ذلك الحين من الحكومة الغاء مجموعة من القوانين من بينها قانون منع الجرائم لسنة 1927 ، الا أن هذا الامر لم يتم حتى صدور الدستور الاردني لسنة 1952 وحصول العديد من التطورات الدستورية والتشريعية التي أدت إلى الغاء قانون منع الجرائم لسنة 1927م وإصدار قانون منع الجرائم الاردني رقم (7) لسنة 1954 النافذ حالياً وقد تم نشره في العدد رقم (1173) من الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 1/3/1954م حيث أن التوقيف الإداري يشكل وسيلة امن يمكن من خلالها تهدئة الشعور العام وبث الهدوء في نفوس أفراد المجتمع الذين يثورون بفعل الجريمة وخاصة إذا كانت على درجة كبيرة من الفظاعة مثل جرائم القتل وهتك العرض ولا يوجد قانون يساند العرف العشائري باستثناء قانون منع الجرائم لان المجتمع الأردني ما زالت الأعراف العشائرية سائده بينهم وهناك وجود الكثير من القضايا التي تأخذ طابعاً عشائرياً ولا يتم عرضها على القضاء لأسباب قانونية أو لأسباب تعود لعادات وتقاليد المجتمع العشائري مما يتطلب ا للجوء إلى قانون منع الجرائم لتغطية هذا القصور لما يتمتع به هذا القانون من صفات احترازية ووقائية يثني عليها القضاء نفسه ويتجاهلها منتقدي هذا القانون ويتجنبون الإشارة إليها ، فعلى سبيل المثال فان الملاحقة على جريمة الزنا تتطلب تقديم شكوى من قبل الشخص المحدد بالقانون ( بالنسبة للفتاة ولي أمرها أو زوجها اذا كانت متزوجة ، وبالنسبة للرجل زوجته فقط ) ، ويشترط أن تقدم الشكوى بحق الشريكين معاً ، فإذا لم تقدم هذه الشكوى فلا تثار الملاحقة القضائية نهائياً ، وعندها من يكون مسؤلاً عن حفظ الأمن والنظام واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لطوق الآثار السلبية الناجمة عن هذه الجريمة في وسط مجتمع عشائري عند غياب الدور الأمني للحاكم الإداري وفق أحكام قانون منع الجرائم ، وان كثيراً من المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان وحقوق المرأة تقول بوجود عدد من جرائم الشرف تكون ضحيتها المرأة ، وهذا القول يعتبر بمثابة دعوة من هذه المنظمات لتطبيق إجراءات الحاكم الإداري الاحترازية التي لا غنى عنها ولا بديل لها للحد من الجرائم التي تكون ضحيتها المرأة ، حيث يتخذ الحاكم الإداري إجراءاته لتهدئة النفوس وبذل الجهود التي غالباً ما تنجح بالوصول إلى حل ، وهذا يبين أن دور الحاكم الإداري هنا هو الحفاظ على حياة المرأة وهو حق أساسي من حقوق الإنسان .

ومن ناحية دستورية قانون منع الجرائم فأنه صدر استناداً لإحكام الدستور ومر بالمراحل الدستورية اللازمة لإصدار القوانين ولا يتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان لأنه يتضمن مجموعة من الإجراءات والتدابير التـي كفلها المشرع للشخص المعني حتى يضمن خضوعه لإجراءات عادلة تتفق مع المعايير المعتمدة لضمان حقوق الإنسان من حيث التحقيق وسماع الشهود وحضور المحامين والسماح للمتضرر في الطعن بالقرارات الإدارية لدى محكمة العدل العليا ، بل أن وجود هذا القانون وفي كثير من الأحيان يعزز حقوق الإنسان الجماعية التـي تتطلب اتخاذ إجراءات رادعه بحق الفرد الذي يهدد أمن الجماعة وانتشار الأشخاص الخطرين في المجتمع ووجود سوابق قضائية لهم حيث قمت بتقديم رسالة ماجستير لتكون توضيحاً وتبياناً الى التوقيف في أصول المحاكمات الجزائية وقانون منع الجرائم الأردني وتوصلت إلى عدة نتائج انبثق عنها عدة توصيات والمبينة تالياً :-

النتائج :-

01 إن التوقيف الإداري كنشاط ضبطي له آثاراً قانونية على درجة من الخطورة والمتمثلة بحجز الحرية وما ينتج عن ذلك من تغير نظرة المجتمع للموقوف ومدى الألم النفسي الذي سيرافقه طوال حياته.
02 إن التوقيف الإداري كإجراء ضبطي إداري ومع ما يمثله من مساس للحرية الشخصية يجد مبرره في ضرورة الحفاظ على النظام العام، حيث تقتضي المصلحة العامة إقامة التوازن بين الحقوق والحريات التي كفلها الدستور للأفراد وبين النظام العام الذي تسعى السلطة التنفيذية إلى المحافظة عليه.
03 التوقيف الإداري هو إجراء ضبطي وقائي يصدر عن سلطة غير قضائية (السلطة التنفيذية) بسلب حرية الشخص لمدة محددة نسبياً، وذلك بموجب نص تشريعي خاص دون توجيه تهم محددة إلى الموقوف أو تقديمه للمحاكمة بهدف المحافظة على النظام العام وهو قرار إداري يخضع لرقابة القضاء الإداري إلغاءً وتعويضاً دون تقيده بمهل التقاضي.
04 إن إجراء التوقيف الإداري يختلف عن باقي الإجراءات الإدارية المقيدة للحرية الشخصية (كالإقامة الجبرية والإبعاد والاستيقاف) والتي يصدرها القضاء بهدف تحقيق العدالة والردع. ويختلف التوقيف الإداري أيضاً عن الإجراءات القضائية الأخرى والمنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية (كالتوقيف القضائي والإحضار والقبض) والمعروفة بالضبط القضائي.
05 إن الاستمرار في تطبيق قانون منع الجرائم في ظل الظروف العادية يشكل تحدياً للحريات الشخصية، فلقد وجدنا ومن خلال التطبيقات العملية للحاكم الإداري بموجب الصلاحيات المناطة له استناداً إلى قانون منع الجرائم، بأنه قد تم إصدار قرارات التوقيف الإداري خارجة عن حدود ونصوص القانون مما يشكل تعسفاً في استخدام السلطة من قبل الحاكم الإداري. وبقي اتخاذ إجراء التوقيف الإداري في ظل الظروف العادية سارياً في الأردن وفقاً لقانون منع الجرائم والذي يجيز فيه للحاكم الإداري اتخاذ هذا الإجراء وفقاً لنص المادة الثالثة منه.
06 منح المشرع الأردني الحاكم الإداري سلطات واسعة غير مبررة ومتعارضة مع بعض القواعد الدستورية والقانونية، وخاصة عندما أجاز للحاكم الإداري مباشرة صلاحياته في اتخاذ إجراء التوقيف الإداري بناء على الاشتباه والاعتقاد والوارد في (م/3) من قانون منع الجرائم لأن الأصل في الإنسان البراءة ولأن قانون العقوبات لا يجرم إلا على الأفعال التي تعد جرائم أو الشروع فيها وليست على النوايا أو الاعتقاد أو الاشتباه.
07 أوضحت الدراسة إلى أن مسؤولية الحاكم الإداري عن قراراته بموجب قانون منع الجرائم وإن محكمة العدل العليا تختص بالنظر في قرارات التوقيف الإداري إلغاءً وتعويضاً حيث قامت بإلغاء العديد من القرارات غير المشروعة، وقضت بتعويض الأشخاص الذي صدرت بحقهم قرارات اعتقال غير مشروعة وبالتالي إن صدر قرار غير مشروع يمكن تحريك دعوى المسؤولية الإدارية ضد الإدارة مصدرة قرار التوقيف.
التوصيات:
01 ضرورة إلزام الحاكم الإداري بإتباع الإجراءات المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية وذلك لتحقيق مقتضيات العدالة.
02 أوصي باعتبار أن التوقيف الإداري إجراء ضبطي احتياطي خوله المشرع للحاكم الإداري يجب أن يتقيد بحدوده ويرتهن بأهدافه لاختلاف الإجراءات وعدم تعلقه مباشرة بحالة الخطورة التي تتهدد النظام العام، إذ يمكن إلغاؤه مع استمرار حالة الخطورة ويكون ذلك عندما يتم تقديم كفيل مليء لا يمكن رفض كفالته.
03 لا بد من القيام بدراسة اجتماعية وقانونية حول عدد القضايا والتوقيفات بمقتضى أحكام قانون منع الجرائم، ودراسة مدى فاعليته بالحد من الجرائم وعلى ضوء هذه الدراسات يمكن إجراء التعديلات المناسبة لهذا القانون لجعله ذو فاعلية أقوى ومانعاً للجريمة مع الحرص على عدم المساس بحريات وحقوق الأفراد التي نص عليها الدستور.
04 عدم المبالغة بقيمة الكفالة المطلوبة لأنها تشكل عبئاً على كاهل الموقوفين وذويهم وتشكل سبباً للاستمرار في التوقيف لعجز الشخص أو ذويه عن تنظيم هذه الكفالة، مما يمنح للحاكم الإداري صلاحية إبقاء هذا الشخص موقوفاً لحين تنظيم هذه الكفالة.
05 ضرورة احترام القرارات الصادرة عن السلطة القضائية بالبراءة أو عدم المسؤولية أو بإخلاء سبيل الموقوف، باعتبارها عنوان للحقيقة وحجة على الجميع، وعدم جواز إصدار أي قرار مخالف لما يقضي بتوقيف الأفراد ما لم يكونوا مطلوبين لقضايا أخرى.
06 كف يد الحاكم الإداري عن إجراءات التحقيق التي تقوم بها الشرطة بحيث لا يسمح بالاستمرار بحجز الأشخاص والتحقيق معهم لمدد طويلة بالاستناد لمذكرات التوقيف الصادرة عن الحكام الإداريين.
07 أتمنى على محكمة العدل العليا عدم التوسع في تمكين الإدارة من تصحيح عيب الشكل والإجراءات لأن معنى ذلك منح الحاكم الإداري الرخصة في الخروج على قواعد الشكل والإجراءات مما يهدد الحكمة من تقرير المشرع لهذه القواعد.
08 أتمنى توحيد جهة الاختصاص القضائي بنظر منازعات التعويض عن قرارات التوقيف الإداري، بحيث يعهد بنظر هذه المنازعات إلى محكمة العدل العليا باعتبارها المحكمة الإدارية الوحيدة في الأردن وذلك لأن تعدد الجهات المختصة بنظر طلبات التعويض وتوزيعها بين القضاء العادي والقضاء الإداري من شأنه أن يؤدي إلى تضارب الاجتهاد القضائي حول مسائل التعويض، حيث يبنى القضاء العادي إزاء مسألة ما اجتهاد معين ويتبنى القضاء الإداري اجتهاد آخر إزاءها وهذا أمر غير محمود.

09 أتمنى على المشرع الأردني، ومن باب العدالة والإنصاف، بأن ينص على وجوب تسبيب القرار الإداري الصادر بالتوقيف، لأن التسبيب يشكل ضمانة مهمة من ضمانات المحاكمة العادلة، ويعطي المحكمة صلاحية واسعة في الرقابة على مشروعية القرارات الإدارية الصادرة بالتوقيف من خلال مراقبة وفحص الأسباب التي تدعيها الإدارة سندا لقراراتها.
010 ليس من المقبول أن يوسم الشخص دائماً بالفعل الذي قام به في الماضي إلى الأبد لذااوصي بالغاء الاسبقيات الجرميه كل ثلاث سنوات شريطة عدم التكرار باستثناء جرائم القتل
011 إنشاء سجل عدلي يساعد على التنظيم السليم وارفاق سجل الشخص الجرمي أثناء تحويله للقضاء أو الحاكم الإداري تحديداً جرائم القتل وهتك العرض والإيذاء البليغ .
012 عدم لجوء الحاكم الإداري لتطبيق أحكام قانون منع الجرائم إلا إذا كان هناك اشتباه قوي وبناء على معلومات مؤكده تشير إلى إحتمالية هذا الشخص أو على وشك ارتكاب جرائم خطيرة مجدداً مثل حالات الثأر.