الشعب يتحول الى "فئران" تجارب ............... وقرارات "ديناصورية" في عهد عبدالله النسور


د. مراد الكلالدة/ رئيس المنتدى الأردني للتخطيط

ليسمح لنا الرئيس "الخبير بكل شيء" بمخالفته بما نعتقد بأنه أحدث ما توصلت اليه الإدارة المحلية في القرن الحادي والعشرين، فقد جائت تشكيلة حكومته التي يصُّر على أن يسميها برلمانية، وهي ليست كذلك، جائت بدمج وزارة الداخلية مع وزارة البلديات والتي حَملها عسكري منذ الطفولة وحامل العقيدة القتالية "نفذ ثم ناقش" الفريق حسين هزاع المجالي.

سنناقش هذا الدمج من منظور تخطيطي "إن سمح لنا دولة المُخطِط الشمولي" لأن في ذلك أثر علينا نحن أبناء الشعب المغلوب على أمرة حيث أصبحنا كفئران التجارب بين أيادي من حظي بالجلوس في مقعد الرئيس في الدوار الرابع. ويبدوا أن دولة الرئيس يرى ما يريد ويسميه بما يريد، فمركزة الحكم المحلي بيد وزير الداخلية هو في نظره لا مركزية، تماماً كما تسميته للحكومة بالبرلمانية وليس فيها برلماني واحد، وأي عبقرية هذه يا دولة الدولة، فهل لنا أن نذكرك بنظام الإدارة المتبع في الأردن.
إن النظام الإداري الحكومي في الأردن يتكون من ثلاثة مستويات رئيسية هي :

• الوزارات والدوائر المركزية.
• الوحدات الإقليمية المتمثلة في (المحافظات والألوية والأقضية)
• الوحدات المحلية المتمثلة في ( البلديات والمجالس القروية ومجالس الخدمات المشتركة)
ويبدو إن الإدارة الأردنية ما زالت تتمسك بالمحافظ كذراع إمني سياسي للحكومة في المحافظات، ولبيان قدرة المحافظ على الإطلاع بالدور التنموي المئمول منه يتوجب العودة إلى الصلاحيات الممنوحه له في القوانين الأردنية وهي أولاً: قانون المخاتير رقم 52/ 1958 حيث تعرف المادة (2) منه الموظف الإداري بما يلي: المحافظ أو المتصرف أو القائمقام أو أي موظف إداري آخر يتولى شؤون الإدارة في القسم الذي يقع فيه الحي أو العشيرة وتجيز المادة (4) من قانون المخاتير للمحافظ بالمحافظة أو المتصرف باللواء (بموافقة وزير الداخلية) تعيين عدد من مخاتير كل مدينة أو قصبة أو منطقة بلدية أو مجلس محلي أو حي أو عشيرة.

المادة (6) المحافظ وإختصاصه، من الفصل الأول من نظام التشكيلات الإدارية الصادر بمقتضى المادة (120) من الدستور تنص على ما يلي:

1- المحافظ هو ممثل الحكومة في محافظته وهو رئيس الادارة العامة والأمن العام فيها ، وله حق الرقابة على كافة فروع الادارات الحكومية والمحلية في محافظته بإستثناء المحاكم.
2- للمحافظ إعلام الوزارة المختصة عن سلوك الموظفين التابعين لها.
3- يقوم المحافظ بالوظائف ويستعمل السلطات التي خوله اياها القانون.
4- على المحافظ أن يقدم الى وزير الداخلية تقريراً شهرياً عن الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في محافظته كما وأن عليه أن يقدم دون تأخير تقارير بالحوادث الهامة في محافظته.
5- على المحافظ أن يكون على إتصال وثيق بالرأي العام في محافظته وأن يكون بمثابة صلة الوصل بين المواطنين والحكومة المركزية.
6- للمحافظ أن يستدعي أي موظف رئيسي في أي دائرة في محافظته بقصد المشورة في أية مسألة فنية أو ذات أهمية بالنسبة للصالح العام.
7- على المحافظ أن يتجول في محافظته وأن يوافي الوزير المختص بأحوال الجهات التي راقبها وبما تحتاج اليه مشفعاً ذلك بإقتراح التدابير التي يرى ضرورية لإتخاذها.
8- يبت المحافظ مباشرة في العرائض الداخلة في إختصاصه سواء قدمت إليه أو عن طريقه ويحول العرائض غير الداخلة في اختصاصه للمرجع المختص مشفوعة برأيه.

المادة (7) من النظام نفسه تعتبر الأمور التالية من الخدمات المحلية العامة في المحافظة، التي للمحافظ صلاحية الإشراف عليها ورعايتها والعمل على تحقيقها بالإشتراك والتعاون مع السلطات والهيئات المختصة وفقاً للقوانين والأنظمة والتعليمات المعمول بها.

1- فتح الطرق الريفية التي تربط الاقضية والنواحي والقصبات بالقرى وتعبيدها وإصلاحها.
2- توفير المياه الصالحة للشرب في المدن والقرى بالتعاون مع المجالس البلدية والقروية.
3- تنظيم المرافق العامة في المدن والقرى كالمراعي ومصادر المياه والبيادر والساحات العامة والمقابر وتخصيص الاراضي اللازمة لها ووضع القواعد التي تكفل حسن الانتفاع بها.
4- تشجيع التعليم التام ومكافحة الأمية وتأسيس المكتبات العامة.
5- تجفيف المستنقعات وتوسيع الخدمات الصحية المجانية وانشاء المستوصفات ودور العجزة والأيتام والاحداث المشردين ومؤسسات الشؤون الاجتماعية الأخرى.
6- تنظيم العمران في المدن والقرى وتصميم الكهرباء وتأمين الخدمات البريدية فيها.
7- إقامةالاسواق العامة وإجراء مسابقات لتشجيع الانتاج الصناعي والزراعي واقامة معارض للصناعات المحلية والمنتوجات الزراعية ومراقبة الاسعار.
8- تنظيم شؤون الدفاع المدني.
9- رعاية الاعمال الخيرية والرياضية والكشفية.
10- تنظيم استثمار الصيد البحري والبري تبعاً للمصلحة والظروف المحلية.
11- تنشيط إنشاء الغابات والتشجير وتنظيم انتفاع الاهالي من الحراج.
12- اتخاذ التدابير اللازمة لمقاومة الكوارث الطبيعية ومكافحتها كالفيضان والحريق والأوبئة والآفات والمجاعة على أن يخبر الوزارة المختصة لإستكمال المقاومة والمكافحة بطرقها الفنية.
13- حماية الاثار والعناية بالفنون الجميلة ومراقبة دور السينما واللهو والأماكن العامة.
14- وبوجه الإجمال جميع الشؤون التي أنيطت بالحكام الاداريين بموجب أي قانون أو نظام معمول به وأية مسألة يعتبرها مجلس الوزراء من الخدمات العامة.

وتستطرد المادة (11) من النظام نفسه بتحديد الأمور التي يعمل المحافظ على تحقيقها وهي:
1- تطبيق قواعد الحريات الدستورية العامة وصونها.
2- المحافظة على الامن العام والصحة والاخلاق والراحة العامة.
3- صيانة الحقوق والسلامة الشخصية.
4- تهيئة الأسباب التي تؤدي إلى الرقي الاقتصادي والعمراني والإجتماعي.
5- تقدم البلديات والمجالس القروية وإدارتها إدارة حسنة بالإشراف على أعمالها ومختلف شؤونها.
6- مؤازرة جباية الضرائب و الرسوم.

كما أن المادة (12) تنص على أن قوى الامن الداخلي في المحافظة مكلفة بتنفيذ تعليمات وأوامر المحافظ في حدود القوانين والانظمة المرعية، وللمحافظ أن يعطي تعليماته لاي ضابط من قوات الامن في محافظته فيما يتعلق بأية مسألة لها علاقة بحفظ السلام وصيانة النظام، وله أن يستعلم من أي ضابط من قوات الامن بخصوص أية مسألة لها إرتباط بمنع وقوع الجرائم والتحقيق والتحري عنها وعلى قائد المنطقة أن يزود المحافظ بأية معلومات تتعلق بالامن والاحوال العامة في منطقته.

المادة (13) من النظام تنص على أن على قائد المنطقة أن يزود المحافظ بنسخة من التقارير الدورية العامة التي يرفعها إلى مديرية الامن العام. كما أن المادة (15) تنص على ما يلي: تعين لجنة برئاسة المحافظ وعضوية كل من قائد المنطقة وممثل وزارات الاشغال العامة والزراعة والصحة لتعين الطرق القروية الواجب فتحها أو تعبيدها للقرى وتنسيب رصد المخصصات الضرورية لذلك وإنفاقها طبقاً للسياسة العامة التي يقررها مجلس الوزراء بهذا الشأن. كما أن المادة (17) تجبر موظفي الدولة الموفدين بمهمة رسمية إلى المحافظة أن يعلموا المحافظ بمهمتهم وأن يزودوه بالتقارير التي يهمه الإطلاع عليها.

أما الفصل الثاني من نظام التشكيلات الإدارية فإنه يفرد (10) مواد للحديث عن المجالس الأهلية الإستشارية ومدة كل منها سنة واحدة، حيث تشير المادة (21) منه إلى نطاق العمل، حيث يتداول المحافظ مع المجلس المذكور في جميع الشوؤن المتعلقة بالمحافظة في الامور المنصوص عنها في المادة السابعة من هذا النظام.

وعلى الرغم من إتساع الصلاحيات الممنوحة للمجلس الإستشاري إلا أن المادة (26) من النظام تعتبر القرارات التي يتخذها المجلس تواصي للجهات الرسمية المختصة يتولى المحافظ تبليغها اليها بواسطة وزير الداخلية. ولا ينفك النظام في إيجاد مخرج قانوني لعدم الأخذ بتوصيات اللجان الإستشارية وهو ما ورد في المادة (27) منه والتي تنص على ما يلي: تعمل الجهات الرسمية المختصة على تنفيذ التواصي المرفوعة اليها والعمل بمقتضاها، فاذا تعذر ذلك فانها تبلغ وزير الداخلية بالاسباب التي حالت دون تنفيذ تلك التواصي ليقوم بدوره بابلاغها للمجلس بواسطة رئيسه.

إن العودة إلى الستينات من القرن الماضي حيث كانت وزارة الداخلية والبلديات في وزارة واحدة إجراء يعبر عن عقلية ديناصورية منقرضة ويحيد بالبلد عما هو مطبق في دول العالم المتحضر. الحل يكمن باللامركزية والتي هي نظام إدارة الحُكم في المستويات التنفيذية والتشريعية والقضائية ويتطلب التفكير بإعادة هيكلة هذه المستويات درجة عالية من الحذر ومركزية في إتخاذ القرار المبني على الدراسات المعمّقة. المناداة بالامركزية إنطلقت برغبة من الملك الذي يرأس بموجب الدستور السلطات الثلاث ولكن هذه الرغبة يجب أن تحول إلى نص تشريعي في سيد القوانين وهو الدستور الأردني أو على الأقل كمشروع قانون
للامركزية يتم مناقشته من قبل مجلس النواب والمختصين، في حال إعترف الرئيس بوجود مخططين غيره في الأردن.

إن الحكومة مطالبة بتقديم برنامج لأربع سنوات يختلف عن النصوص الإنشائية التي تعودنا عليها وبما يتماشى مع رغبة الملك في التوجهه نحو الامركزية، فهل تحتوي المسودة الموجودة في جيب الرئيس مثل هذه الاستراتيجية؟ صحيح أني كمخطط لست مطلعاً على هذه المسودة لأنها لم تعرض للعموم، ولكن، وكما يقول المثل الشعبي: إن أرادت السماء أن تمطر فستغيّم. ويبدوا أن دمج الداخلية مع البلديات يعكس تماماً ما في خلد الرئيس من مركزية مطلقة سيمارسها من خلال الوزير المعروف بالضبط والربط العسكري والذي سيجد في قانون المخاتير ونظام التشكيلات الإدارية إداة طيعة في تركيز وتمركز السلطة.

وهل ستكون البلديات المنهكة بالديون والمثقلة بقوانين رجعية قادرة على إحداث التنمية المحلية في ظل وجود هيئات مستقلة ومناطق تنموية تروج للإستثمار على مقربة من حدودها فتكاكي عندها وتبيض عند غيرها.

إن الصلاحيات الهائلة التي يتمتع بها المحافظ والتي كانت مقيدة بسقف وزير الداخلية ستتحرر بفعل المرجعية الواحدة لكل من البلديات والداخلية، وسيزيد الطين بله دمج وزارتي التخطيط والتعاون الدولي مع وزارة السياحة بما ينشيء مراكز قوى متنافرة لدرجة الهلاك أو الجمود. والأغرب من ذلك هو القول بأن الرئيس ينوي أن يفك إرتباط هذه الوزرات بعضها عن بعض لتوزير النواب... ما شاء الله على هذا التخطيط الذي يبدوا أن الرئيس قد وجده أثناء التقليب في أوراقه الصفراء القديمة.

اللامركزية فكر قبل التطبيق وفاقد الشيء لا يعطيه، فالامركزية نتاج فكر تحرري يؤمن بالآخر وهي مطبقة بأعتى الديمقراطيات في العالم في فرنسا والمانيا والنمسا. أهذا ما يريد أن يطبقه وزير داخليتنا العسكري بالسويل (اللباس المدني Civil) أم أن الطبع سيغلب التطبُّع وسيوزع معاليه على الحكام الإداريين ورؤساء البلديات الواجب اليومي مع طابور الصباح، اتمنى أن اكون مخطئاً وأن أسمع من معاليه: إلى الأمام أنظر بدلاً من: إلى الخلف در.