حساسية الربيع

الربيع العربي الذي انطلقت شرارته في تونس على يد طارق الطيب محمد البوعزيزي الذي قام يوم الجمعة 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2010م بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة السلطات لعربة كان يبيع عليها الخضار لكسب رزقه، وللتنديد برفض سلطات المحافظ قبول شكوى أراد تقديمها في حق الشرطية التي صفعته أمام الملأ وقالت له كلمة " ارحل " هذه الكلمة التي اصبحت شعار الثورة التي اطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي , وكذلك شعار الثورات العربية المتلاحقة , فيما أضرم بعده على الأقل 50 مواطناً عربياً النار في أنفسهم لأسباب اجتماعية متشابهة تقليدا لاحتجاج البوعزيزي . 
بوعزيزي الذي كرم في ما بعد بعمل تمثال له في العاصمة الفرنسية – باريس – اصبح ملهما للشباب العربي الذي عاش لعقود يعاني من الحرمان والكبت نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة والظلم السياسي والقهر في الدول البوليسية والانظمة القمعية العربية . 
لتنتشر عدوى الثورة فيما بعد الى مصر وليبيا واليمن في سيناريوهات مؤلمة راح ضحيتها الكثير من الشباب الثوري الذين خرجو للتنديد بالقمع وسلب الحريات في مجتمعاتهم , الثورات المصرية والليبية واليمنية اطاحت برموز دكتاتورية بعد عقود من التفرد في الحكم , لتستمر موجة الاحتجاجات العربية وتضع اقدامها في شوارع اغلب الدول العربية كالمغرب والجزائر والاردن والبحرين والسعودية وقطر والكويت , وسوريا التي ما زالت تشهد صراعا مستمرا منذ ما يزيد عن العامين راح ضحيته الالاف من القتلى وعشرات الجرحى ومئات الالوف من المهجرين والمشردين . 
الثورات التي بدأت على ايدي شبان ضاقو ذرعا بعهد السلطوية والحرمان الاجتماعي والقمع المتواصل لاحلامهم , لم تكن قصرا عليهم فقط ! فقد شهدنا تدخلات اجنبية كثيرة في ثورات الربيع العربي وان لم تكن ظاهرة للعيان لكن كانت هنالك غرف عمليات خاصة لاجهزة استخباراتية غربية لادراة الحدث ودس الفتن وايقاع الشرور بين الناس لتمزيق الدول العربية , وتجهيز قائمة بالحكام الجدد ليسيرو على النهج الاميريكي في المنطقة 
هذه السياسة اكثر امنا من الغزو العسكري لاي دولة في المنطقة , خصوصا بعد تكبد الولايات المتحدة لما يزيد عن تريليوني دولار في حربها على العراق للاطاحة بنظام صدام حسين وجلب الديموقراطية الامريكية المزعومة الى المنطقة , هذه الالاعيب الغربية كالديموقراطية واسلحة الدمار الشامل والتهديد العراقي للدول المجاورة لم تعد مقنعة , ليتبين فيما بعد ان الولايات المتحدة لم تأتي للمنطقة وتتكبد كل تلك الخسائر الا لأجل المصلحة القائمة بالنفط العراقي وتحويل العراق الى قاعدة اميريكية في الشرق الاوسط ليكون غرفة عمليات لادارة المصالح الغربية كما هي قطر وبعض المرتزقة من العرب . 
اما الربيع الذي اطل علينا برائحة دماء الشهداء , وبصرخات الحرية والديموقراطية العفوية , كانت له مكونات , كفئة وقود المعركة – الشباب الثائر – التي انطلقت بكل عفوية لتنفيذ احلامها بالتغيير والتقدم ورفعة اوطانهم , ولم تكن قصرا عليهم فقد رأينا تدخلات من فئة الاعلام الفاسد المحرض على العنف والقتل وجلب المتنكرين بعبائة الاديان للافتاء بحل القتل واستباحة دماء الاخ لتفيذ مخطط اكبر من احلام بالحرية والعدالة , أما عن فئة تجار الحروب التي باتت تجهز نفسها للاستيلاء على مقومات ومقدرات الدول في وقت الثورات العربية وابرام الصفقات بدعم الدول الغربية لنهب الثروات والتحكم بتسيير الانظمة التي ستخلف في دول المنطقة . 
هذا الربيع لم يكن نقيا كان عهدناه في طفولتنا , هذا الربيع لم تكن له رائحة الياسمين ! ولم يعد لونه اخضرا يسر النظارين , بل اصبح بلون دماء المساكين . 
دعوتي للاحرار في كل الارض , سفك دم الاخ لا يجلب الحرية ودماء المساكين ستبقى لعنة ابدية تطارد كل مسؤول عنها , الحرية التي تسفك مقدرات الاوطان وتستبدل الدكتاتور بدكتاتور آخر كما حصل في مصر مثلا .. ليست حرية تامة ! عطشنا للتغيير لا يعني ان نستبدل العملاء بالسفهاء , بل هي مسرحية للقتل كتبت بأيدي الطامعين والمتآمرين من الغرب وعملائه المتمركزين في الخليج واعلامهم الفاسد المحرض , لكن ليت القتل كان تمثيلا فقط احبتي اعلموا فقط الى اين تكون وجهة الرصاص وبوصلة العدو ! 
ربيعنا جاء يحمل رائحة الموت , وقذارة المتآمرين , وكفوا ايديكم عن الذبح بحجة الحرية . دعونا نبدأ التغيير بدون اراقة قطرة من الدماء ليطل الربيع برونقه بلا حساسية .