في مشروع قانون ضريبة الدخل


في تحليل الأثر الاقتصادي والعبء الضريبي لأي تشريع ضريبي فإن نقطة البداية تكون أبدا ودائما هي العبء الضريبي الكلي (أي مجموع ما يدفعه المواطن من ضرائب كضريبة دخل وضرائب غير مباشرة كالمبيعات والجمارك وغيرها) من ضرائب ورسوم وإيرادات أخرى مما تتقاضاه الدولة مقابل خدماتها وتـقارب 1.5 مليار دينار. لاحظ أن من المحبذ، وكما هو معمول به في الدول المتقدمة، أن تحصل الحكومة على دخلها من الضرائب وليس من الرسوم، فالأساس أن الضرائب هي مصدر دخل الحكومة لأن الحكومة لا تتاجر عملا بمبدأ عدم اجتماع التجارة والإمارة. لذلك يكون تحليل مشروع قانون الضريبة بالنظر إلى ضريبة الدخل فقط تحليل منقوص.
وحين نؤيد تصاعدية ضريبة الدخل للأفراد على أساس أنها احد أهم الخطوات نحو تحقيق عدالة أكبر في المجتمع، فيجب أن نرفض من ذات المدخل والمبدأ أن ضريبة المبيعات في الأردن تعتبر من أعلى معدلات الضريبة في العالم، والجميع الآن يعلم أنها ضريبة تنازلية/تناقصية أو عكسية (Regressive) لأنها بشموليتها وعبئها تضر بالفقير أكثر من الغني مما يجعلها مخالفة للمادة 111 من الدستور. لذا فإن قانون حصيف يرنو إلى تحقيق معدلات تنمية أفضل، ويضيف ضرائب على الدخل بشكل تصاعدي يجب وفي السياق ذاته أن يقللها على المبيعات.
كما أنني كاقتصادي أجد صعوبة في تقبل تصاعدية الضريبة للشركات، وصعوبة أكبر في أن القانون يركز على قطاعات معينة لأنها رابحة أو مملوكة من قبل أجانب، مما يعطي انطباعا خطأ حول جهود الحكومة التنموية في الأردن وكأن الحكومة تحارب بذلك الإنتاج والكفاءة والمستثمر الأجنبي والمحلي. فالأساس أن تكافأ الشركات الكفؤة التي كبرت ونمت لا أن تعاقب، فالمشرع لا يريد للاقتصاد أن يتحول إلى شركات صغيرة جدا أحادية الملكية تنعدم فيها القدرة والقدرات على الإبداع أو الابتكار أو الإنتاج المعرفي وما يترتب عليها من قيمة مضافة تعود بالنفع على الجميع. فلا نستغرب أن مشروع القانون قد يؤدي على مدى السنوات اللاحقة إلى شرذمة وتقسيم الشركات وهو ما لا ترغب فيه أي دولة نامية وبوجه الخصوص الأردن.
ايضا تعفي المادة 4 بعض الصادرات من ضريبة الدخل وحسب قرار الوزير، وهنا القصد وزير المالية، غير أن هذا الإعفاء والمادة يشكلان مخالفة صريحة لالتزاماتنا لمنظمة التجارة العالمية. كما أن المادة 6 تعفي الأشخاص الطبيعيين من الدخل المتحقق من الزراعة بينما تعفي الشركات إلى حد 100,000 دينار من الدخل، وهو دعوة أيضا إلى إزالة الشركات الزراعية وتحويلها إلى مشاريع فردية. أيضا، بما أن تعريف الزراعة لا يشمل الصناعات الزراعية فيمكن القول إن القانون لا يشجع قيام الصناعات الغذائية وهي مدخل الدول النامية عادة إلى عالم الصناعة والتصنيع.
أيضا، لا يشجع القانون التبرع لمؤسسات المجتمع المحلي بل يشجع الناس على التبرع للمؤسسات الحكومية فلا يضع قيدا أو نسبة على ما يمكن التبرع به للأخيرة بينما يقيد التبرع للأولى بما لا يزيد على 25% من الدخل، وفي هذا تحيز واضح، خاصة وأن مؤسسات المجتمع المدني هي أحد أهم روافد التنمية والتقدم في أي بلد.
كما يخترع القانون مبدأ تحصيل الجمارك كجزء من الضريبة قبل البدء بالنشاط الاقتصادي في الأردن فتحصّل دائرة الجمارك لصالح الحكومة 2% من قيمة المستوردات كجزء من الضريبة قبل أن يتم التصنيع أو البيع، وعلى الرغم من أن هذه الضريبة تصعّب من الاستيراد، وقد تكون مخالفة لالتزامات الأردن لمنظمة التجارة وغيرها من الاتفاقيات التجارية، فإنها ترهق التاجر وتكون كلفتها عليه أكثر بكثير من 2% إذا ما كانت عملية الإنتاج المترتبة على الاستيراد معقدة وتحتاج على وقت طويل، إضافة إلى كون الضريبة على دخل لم يتحقق بعد، وكأن رقيب السير يخالف شخص بمجرد أنه دخل السيارة وقبل أن يحركها لأنه يتوقع أن الشخص سيرتكب مخالفة، وهذا خطأ. لذا، نرجو المراجعة والتأكد من أن هذا القانون سيخدم مصالح الأردن التنموية على المدى البعيد.

بقلم:د.يوسف منصور