اليوم يوم الأرض
ﻣﺎ ﺳﺮّ ھﺬا اﻟﯿﻮم؟.. ﺗﺤﻞ اﻟﯿﻮم اﻟﺬﻛﺮى اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﺜﻼﺛﻮن ﻟﯿﻮم اﻷرض اﻟﺨﺎﻟﺪ، وﻛﺄﻧﻪ وﻗﻊ ﻓﻲ اﻷﻣﺲ اﻟﻘﺮﻳﺐ.
ﻛﺜﯿﺮون ﻳﺤﯿﻮﻧﻪ، وﻟﻜﻦ ﻛﺜﯿﺮﻳﻦ أﻳﻀﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن اﻟﻘﯿﻤﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﯿﺔ واﻟﻮطﻨﯿﺔ اﻷﺑﻌﺪ ﻟﻪ. ﻓﻔﻲ ھﺬا اﻟﯿﻮم ﻟﻢ ﺗُﻘﻢ دوﻟﺔ
ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ، وﻟﻜﻦ اﻟﻤﺤﺘﻞ اﺻﻄﺪم ﺑﻮاﻗﻊ اﻋﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﻏﯿﺮ ﻣﻮﺟﻮد. وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ھﺬا، ﻓﺈن ﻳﻮم اﻷرض ﻗﺎل ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ، ﺑﻤﺎ ﻓﯿﻪ
اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ: إن اﻟﺒﻘﯿﺔ اﻟﺒﺎﻗﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﯿﻦ ﻓﻲ وطﻨهم ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺎم 1948، ﻟﻢ ﻳﺬوﺑﻮا ﻓﻲ اﻟﺒﻮﺗﻘﺔ
اﻟﺼﮫﯿﻮﻧﯿﺔ، وھﻢ ﻟﯿﺴﻮا، وأﻟﻒ ﻟﯿﺴﻮا "ﻋﺮب إﺳﺮاﺋﯿﻞ"، ﺑﻞ ﺣﻤﺎة ھﻮﻳﺔ اﻷرض واﻹﻧﺴﺎن واﻻﻧﺘﻤﺎء.
ﻛﺎن ﻳﻮم اﻷرض ﻓﻲ اﻟﺜﻼﺛﯿﻦ ﻣﻦ آذار (ﻣﺎرس) 1976، ﻳﻮم اﻹﺿﺮاب اﻟﻌﺎم واﻟﺸﺎﻣﻞ اﻷول ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﯿﻲ 48.
وھﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﺪﺛﺎ ﺻﺪﻓﺔ، وﻻ ﺣﺮﻛﺔ ﺟﻤﺎھﯿﺮﻳﺔ ﻋﻔﻮﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻌﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺘﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﺰوري اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﺟﻠﺪﺗﻨﺎ
إﻟﻰ إظﮫﺎره، ﺑﻞ ﻛﺎن ﺛﻤﺮة ﻧﻀﺎل وﺗﻌﺒﺌﺔ وطﻨﯿﺔ ﻟﻢ ﺗهدأ ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺎم 1948. إذ ﺗﺮﻛﺖ اﻟﻨﻜﺒﺔ ﻧﺤﻮ 153 أﻟﻒ ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﻲ
ﻓﻲ أﺟﻮاء رھﺒﺔ وﺷﺒﻪ ﺿﯿﺎع، وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻌﺎدﻻت اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺑﺘﻔﺎﺻﯿﻠﮫﺎ اﻟﺪﻗﯿﻘﺔ، أﺻﻌﺐ ﻣﻤﺎ ﻧﺘﺨﯿﻠﻪ
ﺑﻤﻔﺎھﯿﻢ اﻟﯿﻮم؛ ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ اﻷوﻟﻰ ھﻲ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﻮطﻦ، وﺣﻤﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ وﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﻤﺎﻳﺘﻪ وإﻧﻘﺎذه ﻣﻦ
أرض. وﻛﻞ ﻗﺮاءة ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺪون أﺧﺬ ﻛﻞ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺪﻗﯿﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎﺋﻤﺔ، ھﻲ ﻗﺮاءة ﻣﺘﺠﻨﯿﺔ ﻣﺰاودة.
رﻏﻢ ذﻟﻚ، ﻓﻔﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ھﻨﺎك ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻔﻘﺪ اﻟﺒﻮﺻﻠﺔ: ﻓﺮﻳﻘﺎن ﺳﯿﺎﺳﯿﺎن وطﻨﯿﺎن؛ اﻷﻛﺒﺮ ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺸﯿﻮﻋﯿﻮن
وأﺻﺪﻗﺎؤھﻢ، واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﺮﻳﻖ اﻟﻘﻮﻣﯿﯿﻦ. وﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﻋﻤﻞ ﻣﺸﺘﺮك ﻛﺜﯿﺮ ﺑﯿﻨﮫﻤﺎ، رﻏﻢ اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﺘﺪ
وﺗﺨﻒ ﻣﻦ ﺣﯿﻦ إﻟﻰ آﺧﺮ. وﻓﻲ اﻟﺨﻤﺴﯿﻨﯿﺎت واﻟﺴﺘﯿﻨﯿﺎت، ﻛﺎن ﺣﺮاك وطﻨﻲ ﺷﺠﺎع، ﺗﺤﺖ ﺣﺮاب اﻟﺤﻜﻢ
اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ اﻟﻌﺴﻜﺮي اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻘﺘﻞ وﻳﻨﻜﻞ وﻳﻨﻔﻲ ﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﻮطﻦ، وﻳﺤﺮم اﻟﻤﻨﺎﺿﻠﯿﻦ ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر رزﻗﮫﻢ؛ ﻣﺜﻞ
اﻟﺤﺮﻣﺎن ﻣﻦ ﻣﻨﺢ ﺗﺼﺎرﻳﺢ ﻟﻠﺘﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى، وﺣﻤﻠﺔ اﻟﻄﺮد واﺳﻌﺔ اﻟﻨﻄﺎق ﻟﻤﻌﻠﻤﯿﻦ وﻣﻌﻠﻤﺎت وطﻨﯿﯿﻦ
ﻣﻦ ﺟﮫﺎز اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ. وﻛﺎن ھﻨﺎك ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﺟﮫﺎت واﻟﻨﻀﺎﻻت اﻟﺘﻲ راﻓﻘﺘﮫﺎ ﺛﻘﺎﻓﺔ وطﻨﯿﺔ، وأدب وﺷﻌﺮ ﻣﻘﺎوم، ﻣﻦ
رواده ﺗﻮﻓﯿﻖ زﻳّﺎد وﻣﺤﻤﻮد دروﻳﺶ وﺳﻤﯿﺢ اﻟﻘﺎﺳﻢ وﻏﯿﺮھﻢ.
ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ھﺬا اﻟﺮﺻﯿﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﻨﻀﺎل اﻟﻮطﻨﯿﯿﻦ، ﺟﺮى ﺑﻨﺎء ﺟﯿﻞ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﻜﺒﺔ؛ ﺟﯿﻞ ﻟﻢ ﻳﻌﺶ رھﺒﺔ
اﻟﻨﻜﺒﺔ، وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺧﻮف. اﺷﺘﺪ ﻋﻮده ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ ﺳﻨﻮات اﻟﺴﺒﻌﯿﻨﯿﺎت، وﺑﺪأ ﻳﻘﻮد ﺗﺤﻮﻻت ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﺗﻌﺰز
ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺻﺪ ﺳﯿﺎﺳﺎت اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﺼﮫﯿﻮﻧﯿﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ، ﺣﺘﻰ وﺻﻠﻨﺎ اﻟﻰ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم 1975، ﺣﯿﻨﻤﺎ
ﺟﺮت ھﺠﻤﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ اﻷراﺿﻲ ﺑﻤﻠﻜﯿﺔ أﺻﺤﺎﺑﮫﺎ اﻟﻌﺮب. ﻓﻜﺎن اﻟﻘﺮار ﺑﺘﺼﻌﯿﺪ اﻟﻨﻀﺎل، وﺻﻮﻻ إﻟﻰ
ﻳﻮم اﻹﺿﺮاب اﻟﻌﺎم اﻟﺬي اﺣﺘﺎج ﺗﻄﺒﯿﻘﻪ إﻟﻰ ﺗﻨﻈﯿﻢ وﺗﺠﻨﯿﺪ اﺳﺘﻤﺮا أﺳﺎﺑﯿﻊ ﻋﺪﻳﺪة.
ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ھﺬا اﻟﻜﻼم ﺻﺪﻓﺔ، وإﻧﻤﺎ ﻷﻧﻪ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﯿﻦ، ھﻨﺎك ﻣﻦ "ﻳﺘﻔﺎﺟﺄ" ﺑﻮﺟﻮد ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﯿﻲ 48. وﻟﺸﺪة
اﻟﻐﻀﺐ، ھﻨﺎك ﻣﻦ ﻻ ﺗﺮﺗﺠﻒ ﻳﺪاه وھﻮ ﻳﻜﺘﺐ "ﻋﺮب إﺳﺮاﺋﯿﻞ". وﻟﻜﻦ أﻳﻀﺎ ھﻨﺎك ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﺟﻠﺪﺗﻨﺎ وﻏﯿﺮھﻢ، ﻣﻦ ﻳﺮون
ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺸﮫﺪ اﻟﻤﺆﻟﻢ ﻓﺮﺻﺔ ﻳﻨﺘﮫﺰوﻧﮫﺎ ﻟﺘﺰﻳﯿﻒ اﻟﺘﺎرﻳﺦ؛ ﻓﻨﺮى أن ﺗﺎرﻳﺨﻨﺎ اﻟﻨﻀﺎﻟﻲ ﺑﺪأ ﻋﻨﺪ ظﮫﻮر اﻟﻔﻀﺎﺋﯿﺎت، أو
ﻟﺪى ﺻﻮﻟﺔ أﺣﺪھﻢ ﻓﻲ "ﻣﻌﺮﻛﺔ دوﻧﻜﻮﺷﻮﺗﯿﺔ ﺿﺮوس"، أو ﻟﺪى اﺳﺘﻌﺮاض "أﻛﺮوﺑﺎﺗﯿﻚ" إﻋﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ
اﻟﻔﻀﯿﺔ.
اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻨﯿﺎﺷﯿﻦ وﺗﺨﺰﻳﻦ اﻟﺮﺻﯿﺪ، ﺑﻞ أوﻻ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﻔﺎظ
ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ وﺣﻤﺎﻳﺘﮫﺎ، ﻷﻧﮫﺎ ﺗﺸﻜﻞ دروس اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك ﺗﻀﺤﯿﺎت ﺷﻌﺒﯿﺔ واﺳﻌﺔ ﺟﻤّﺔ، ﻻ ﻳﺤﻖ
ﻷﺣﺪ أن ﻳﺘﻨﻜﺮ ﻟﮫﺎ. وﺛﺎﻧﯿﺎ، ﻷن ﺗﺰوﻳﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻟﯿﺲ ﻣﺠﺮد أﻣﺮ ﻋﺎﺑﺮ، ﺑﻞ ﺗﻤﮫﯿﺪ ﻟﻤﺎ ھﻮ أﺧﻄﺮ، ﻛﻤﺎ ﻧﺮى ھﺬا ﻋﻠﻰ أرض
اﻟﻮاﻗﻊ.
ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻻﺳﺘﮫﻼك، ﺑﺎت ﻗﺴﻂ ﻟﯿﺲ ﻗﻠﯿﻼ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻠﺒﯿﺔ "اﺣﺘﯿﺎﺟﺎت" ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ
ﺣﺎﻟﯿﺔ، وﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺴﺪﻳﺪ ﻓﻮاﺗﯿﺮ اﻟﻤﻤﻮﻟﯿﻦ. إن ﻧَّﺺ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷﻛﺜﺮ ﺻﺪﻗﺎ ودﻗﺔ، ھﻮ ذﻟﻚ اﻟﻤﺤﻜﻲ ﻋﻠﻰ أﻟﺴﻨﺔ
ﺻﻨّﺎﻋﻪ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﯿﻦ.
ﻟﻘﺪ ﺷﻜّﻞ ﻳﻮم اﻷرض ﻧﻘﻄﺔ اﻻﻧﻄﻼق اﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة؛ ﻓﯿﻪ ارﺗﻔﻌﺖ اﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺎت وﺗﺼﺎﻋﺪ اﻟﻨﻀﺎل.
واﻟﯿﻮم، وﺑﻌﺪ ﻣﺮور 37 ﻋﺎﻣﺎ، ﻳﺘﺄﻛﺪ أن ﻛﻞ اﻟﻨﻀﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺖ، وھﻲ ﻛﺜﯿﺮة، ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻗﺎﻋﺪة ﻳﻮم اﻷرض اﻷول، إذ
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﺘﻰ اﻵن زﺧﻢ ﻛﺰﺧﻢ ﻳﻮم اﻷرض اﻟﻌﺎم 197