قميص كُم وفكرة "نص كم"


 
من حيث التعريف تعتبر الأفكار سلعاً تُنتَج وتُباع وتُشترى ولها قيمة سوقية، ولكنها تختلف عن باقي السلع في مدى معزّتها على منتجها، فالفكرة عزيزة أكثر من أية سلعة أخرى. فصانع القميص مثلاً، بعد أن يبيعك إياه ويقبض ثمنه، لا يهمه أنْ تقوم بتغيير مواقع أزراره أو حجمها ونوعها، أو إعادة صباغته بألوان جديدة أو تحويله إلى "ممسحة" أو حتى تمزيقه، بل إنه قد يكون مسروراً إذا مزقته لأنه يتوقع أنك ستشتري منه قميصاً آخر.
إنه -أي صانع القميص- يتيح لك حرية التصرف بذلك القميص تحويلاً أو تأويلاً أو تعديلاً وتبديلاً ، بعكس صاحب الفكرة، حتى لو كانت فكرته "نص كم".
فما أن تفتح كتاباً حتى يبادرك صاحبه بالتحذير من أي نقل أو تصوير أو نشر وتحوير، ويوهـمك بـعبارات حاسمة إنه قادر على إلحاق الأذى بـك إن اقـترفت شـيئاً من ذلك.
الطريف في الأمر، أن صاحب الفكرة يدعي أنه لا يتمنى شيئاً أكثر من انتشار فكرته، وفي أوساط أصحاب الأفكار، يقاس شأن وقيمة أي منهم، بمدى انتشار أفكاره. لكن بالتدقيق يتبين أن الواحد منهم لا يهتم بانتشار تلك الأفكار إلا إذا كانت مرفقة مع اسمه، وكم خيضت معارك بين الكتّاب لأن أحدهم سرق فكرة الآخر، في حين لو سألت هذا المشتكي لقال لك أنه يفني حياته في سبيل نشر افكاره!
ظل عالم الاجتماعي العراقي الساخر علي الوردي يعترف ويحض منتجي الأفكار على الاعتراف، بأن سعي الإنسان لكي يكون "مرموقاً يشار إليه بالبنان" هو جزء من طبيعة البشر، وان ادعاء المثقف بأنه يسعى فقط من اجل الحق والمنطق ولا يريد شيئاً لذاته هو أمر مخالف للطبيعة البشرية.