العمالة الوافدة والمهاجرة .. وأزمة البطالة

حينما يؤكد وزير العمل بأن العمالة الوافدة والمهاجرة المسجلة تصل إلى (860) ألف عامل، في حين أن المصرح لهم بالعمل فقط (260) ألفاً، في بلد لا تتجاوز قواه العاملة الكلية رجالاً ونساء (1.6) مليون شخص، فهذا يعني أن العمالة الوافدة والمهاجرة تزيد عن (50%) من كامل العمالة المحلية،و أكثر من(65%) من حجم العمالة الوطنية المتاحة في السوق فعلا،و أقل قليلا من أربعة أضعاف العاطلين عن العمل من الأردنيين (380%) .

والسؤال: هل هذا توازن معقول ومقبول و مأمون؟ هل يمكن لدولة تشكو من أزمة اقتصادية خانقة، ومن عجز ضخم بالموازنة، ومن نقص في الماء، ومن ارتفاع فاتورة الطاقة، و من تقلص الأرض الزراعية، و غلاء المواد الغذائية، وتعتمد على التجارة والخدمات بشكل أساسي، هل يمكن لها أن تستقبل عمالة وافدة ومهاجرة تزيد عن (12.6%) من السكان؟، في حين أن لديها بطالة تتعدى أل (14%)؟ وبطالة بين الشباب في المحافظات تتجاوز (25%)؟ هل حسبت الدولة الكلفة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المنظورة وغير المنظورة لهذه المئات من الآلاف؟ هل حسبت كلفة الرعاية الصحية، والمياه والطاقة، والفرص الضائعة ورفع الأسعار، والمشكلات الاجتماعية، والجريمة والمخدرات والعنف، والحوادث ؟ وفي أكثر التقديرات اعتدالاً فإن الكلفة المباشرة وغير المباشرة لا تقل عن (150) دينارا سنوياً للفرد. أو ما يعادل (1300) مليون دينار تدفعها أجهزة الدولة المختلفة دون أن تشعر بها. صحيح أن هناك اعتبارات سياسية و إنسانية و عروبية ضاغطة، والأردن كان دائما ملاذا عروبيا مرموقا، و صحيح أن هناك مشاركة هامة لجزء من هؤلاء في العملية الإنتاجية و في الناتج المحلي، ولكن المشكلة في انعدام التوازن، وفي اختلال المحصلة النهائية. 

وحين ندخل بالتفاصيل أكثر، نجد أن (80%) من قوى العمل الوافدة والمهاجرة رجال. و هذا يعني أن(850) ألفا قوى عاملة أردنية من الرجال ، يقابلهم (688) ألف عامل وافد ومهاجر. فهل هذا توازن يمكن الاطمئنان إليه؟ وهل يمكن التغاضي عن الآثار السلبية المباشرة وغير المباشرة الناشئة عنه؟

ومن جهة أخرى، يؤكد وزير العمل، أن معدلات البطالة الحقيقية هي أعلى من الأرقام المعلنة. وهذا أمر يثير الكثير من القلق و يطرح العديد من التساؤلات .. لماذا تقوم الدوائر المسؤولة عن هذه الإحصاءات بتخفيض الأرقام أو تغييرها؟ ولمصلحة من يتم هذا التغيير؟ ومن هو الطرف المخادع ومن هو المخدوع؟ لقد كان واحداً من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الأزمة المالية الاقتصادية في اليونان، أن دوائر الدولة هناك،” كانت تصدر تقارير وإحصاءات محسنة لا تمثل الواقع”. الأمر الذي أوقع الجميع في وهم سلامة الحالة الاقتصادية والمالية، في حين كانت الأرض تتصدع بالمشكلات المتفاقمة يوماً بعد يوم. حتى وصلت اليونان إلى حافة الانهيار المالي والإفلاس.

إذا استمر هذا الأمر، و تواصل هذا النهج لمدة عام أو عامين من اليوم ،سيصحو الأردنيون ليجدوا قواهم العاملة أقلية عاطلة عن العمل، في بحر العمالة الوافدة والمهاجرة. ولن تستطيع الحكومة إذاك التحكم بمجريات الأحداث والتي قد تؤدي إلى فوضى عامة وعارمة.

وإذا كانت مخيمات المهاجرين تضم عشرات الآلاف من الرجال القادرين على العمل من سن الشباب إلى الشيخوخة، فماذا يتوقع أن يفعل هؤلاء يوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد أسبوع، وشهراً بعد شهر؟ سيخرجون بطبيعة الحال خارج المخيمات إلى قلب القرى والمدن والمؤسسات والأسواق، ليأخذوا مواقع هناك، بكل ما يرافق ذلك من تفاقم البطالة المحلية وغيرها من الإشكالات الاجتماعية والأمنية المعقدة. 

إن معالجة هذا الأمر الخطير اجتماعيا واقتصادياً وسياسيا، ونعني به البطالة المرتفعة والعمالة الوافدة والمهاجرة غير الآمنة ،لا تتم بقرار فوري بإخراج هؤلاء، و منع أولئك. وإنما يتطلب خطة وطنية على مدى (5) إلى (10) سنوات لإعادة التوازن وإحلال العمالة الأردنية محل العمالة الوافدة بالقبول والاقتناع الذاتي والحوافز والدعم والمساندة الحكومية والأهلية.

وهذا يتطلب أولاً: أن تأخذ الحكومة المسألة بجدية تتناسب مع خطورتها وتعقيداتها الاقتصادية والاجتماعية و بالتالي تشكل وحدة عمل متخصصة في رئاسة الوزراء هي وحدة العمالة والهجرة. ثانياً: أن تقوم كل وزارة ومؤسسة بدراسة الكلفة الاقتصادية الاجتماعية المباشرة وغير المباشرة للعمالة الوافدة في قطاعها بكل دقة وشمولية، وبالاستعانة بالخبراء عند الضرورة. ثالثاً: أن تقوم وزارة العمل بالتعاون مع الخبراء و المؤسسات بدراسة الحوافز والإضافات والتغييرات التي يمكن تقديمها للعمالة المحلية، حتى تقبل تدريجيا على مختلف الوظائف والأعمال و تأخذ تدريجياً بالحلول محل العمالة الوافدة. رابعاً: إنشاء شركات مساهمة عامة أو جمعيات تعاونية تساهم فيها الحكومة والمواطنون تتولى بيع خدمات خاصة للعمالة الأردنية بأسعار مناسبة و مدعومة مثل التدريب، والسكن الجماعي ،والنقل والخدمات الصحية، والتأمين والادخار، مقابل ترتيبات معينة مع العامل. ويتم دعم هذه المشاريع من فرق النفقات التي تدفع الآن للعمالة الوافدة والمهاجرة. خامساً: وضع برنامج وطني في القطاعات المختلفة، للعمل على تطوير بيئة العمل في المواقع و المرافق والمؤسسات، وتحديث التكنولوجيا المستخدمة ، و مكننة العمليات فيها، حتى تصبح أكثر جاذبية للعمالة الوطنية، وفي نفس الوقت أعلى كفاءة و أفضل مردودا. سادساً: تكليف القوى العاملة المهاجرة الموجودة في المخيمات بإنشاء خدمات و أعمال خاصة بالمجتمعات في تلك المخيمات. بما في ذلك إنشاء مدارس و مرافق مؤقتة والقيام بالتعليم ومتطلبات البيئة الصحية والتعامل مع المياه والصرف وخدمات أخرى، والإفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال. 

وفي النهاية، فإن الظاهرة طال أمدها، وأصبحت مصدر ضغط و توتر اجتماعي لا ينبغي إهماله أو تسويف التعامل معه. ولا يجوز أن تترك دون معالجة حكيمة ولكنها حاسمة وإنسانية و طبيعية. و في عين الوقت قادرة على إيقاف هذا التدفق غير المتوازن، وإتاحة فرص أفضل للعمالة الوطنية في المستقبل القريب.