لماذا لم يخطب أوباما في مجلس الأمة الأردني؟

تناقلت وسائل الإعلام خبرا مفاده أن الرئيس الأمريكي أوباما كان سيلقي خطابا في مجلس الأمة الأردني ضمن برنامج زيارته الأخيرة إلى الأردن، إلا أنه سرعان ما قامت المصادر الرسمية بنفي تلك الأنباء جملة وتفصيلا وذلك لكي لا تؤثر على مجريات الزيارة التي قام بها الرئيس أوباما مؤخرا إلى عمان.
ومع ذلك فإنه يحق لنا أن نتساءل عن الأسباب التي منعت المنظمين من إدراج خطاب لأوباما في مجلس الأمة، أو تلك التي دفعتهم للتراجع عنه، إذا ما صحت الأقوال أنه كان ضمن برنامج الزيارة، فعادة ما يحرص رؤساء الدول في زياراتهم الرسمية إلى مخاطبة أعضاء البرلمان المنتخبين باعتبارهم يمثلون نبض الشارع الوطني ومرآة تعكس الهموم والتطلعات الشعبية، ولهم بهذه الصفة القدرة على التأثير في قواعدهم الانتخابية بما ينعكس سلبا أو ايجابا على الرأي العام في الدولة. وهذا النهج ما فتئ جلالة الملك عبد الله الثاني يطبقه في زياراته الرسمية للدول الأجنبية، حيث يحرص دائما على إلقاء خطابات في البرلمانات الغربية كالكونغرس الأمريكي والبرلمان البريطاني، والالتقاء بوفود برلمانية أجنبية شارحا لهم السياسة الخارجية الأردنية ومواقفها من القضايا المحورية في المنطقة والعالم.
إن من أهم المبادئ التي ترتبط بالعمل النيابي على الصعيد الخارجي مبدأ الدبلوماسية البرلمانية والتي تقابل في وجودها الدبلوماسية الحكومية أو الرسمية، وإن كانت في كثير من الأحيان تتفوق عليها من حيث الأهمية كونها ترتبط ارتباطا وثيقا بالدبلوماسية الشعبية. فالعمل الدبلوماسي للحكومات أصبح بأمس الحاجة إلى روافد تدعمه وتسانده من أجل تنمية قدراته على دعم وتطوير العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف بين الدول. فعلى الرغم من تعدد أشكال الدبلوماسيات الموازية للدبلوماسية الحكومية وتنوع أصنافها كدبلوماسية المجتمع المدني ودبلوماسية الأحزاب السياسية والنقابات، إلا أن الدبلوماسية البرلمانية تتصدر قائمة تلك الأشكال أهمية كونها تمارس من قبل البرلمان باعتباره يعبّر عن الإرادة الشعبية، وتترجم بالتالي الممارسة الديمقراطية التي تنبني عليها العلاقات الدولية المعاصرة.
ولهذه الغاية فإن الرهان في الأردن معقود على تفعيل الدبلوماسية البرلمانية لدعم الدبلوماسية الرسمية من أجل الدفاع عن المصالح الحيوية للدولة الأردنية وحماية حقوق الأردنيين وحرياتهم الأساسية. فالأمل معقود على البرلمانيين الأردنيين في الارتقاء بالعلاقات الخارجية مع برلمانات الدول العربية والأجنبية لتسويق صورة الأردن في الخارج، وتوظيف العمل الدبلوماسي البرلماني في الدفاع عن مصالحه الحيوية المختلفة.
إلا أن المتتبع للشأن البرلماني الأردني سيلاحظ أن مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب مقل في ممارسة الدبلوماسية البرلمانية، حيث إن كلا المجلسين لا يمارس سوى مظاهر محدودة من الدبلوماسية البرلمانية أهمها استقبال الوفود البرلمانية العربية والأجنبية، والقيام بزيارات خارجية مماثلة، والمشاركة في الهيئات البرلمانية الدولية كالاتحاد البرلماني الدولي والجمعية البرلمانية اليورومتوسطية وغيرها من لجان الصداقة البرلمانية ولكن دون تحقيق الفعالية المطلوبة التي تعزز من مكانة البرلمان الأردني ودوره في إبراز الهموم والتحديات الوطنية.
لذا يبقى مردود الدبلوماسية البرلمانية الأردنية ضعيفا لا يرقى إلى مستوى الطموحات المبتغاة، فحتى على صعيد المخاطبات الرسمية مع الدول المجاورة نجد أن النواب في الأردن مقلون في تفعيل الدبلوماسية البرلمانية للمطالبة بحقوق الأردنيين وحرياتهم الأساسية رغم ما تمتاز به الدبلوماسية البرلمانية من حرية في التعاطي مع الأمور بعيدا عن التعقيدات البروتوكولية للدبلوماسية الحكومية. ففي ظل تقصير الدبلوماسية الرسمية في متابعة القضايا العامة كان يجب أن تبرز إلى حيز الوجود دبلوماسية برلمانية قوية تسد النقص والعجز الرسمي، إلا أن الأصوات البرلمانية بقيت كعادتها خافتة لا يسمع صوتها محليا، فكيف لها بالأحرى أن تخرج إلى الفضاءين الإقليمي والدولي.
وحتى في مسألة حقوق الأردنيين المغتربين وحرياتهم الأساسية، فلم نسمع سوى القليل من السادة النواب عن متابعة هموم الأردنيين المعتقلين بالخارج والذين تتم محاكمتهم بغياب كامل للخارجية الأردنية. فلا الدبلوماسية البرلمانية قد أتت بثمارها من خلال الضغط السياسي على الحكومة الأردنية والتلويح بحجب الثقة عنها إذا لم تتحرك للإفراج عن المعتقلين، ولا أخذت الدبلوماسية البرلمانية زمام المبادرة بأن خاطبت الجهات الرسمية وبرلمانات الدول الأخرى طالبة منهم معلومات حول مصير الأردنيين الذين تحتجزهم حكومات بلادهم في إطار العلاقات الثنائية بين البرلمانات الوطنية.
إن العوائق التي تقف في وجه تفعيل الدبلوماسية البرلمانية الأردنية ترتبط ابتداء بمؤهلات البرلمانيين لممارسة النشاط الدبلوماسي الذي يتطلب عادة الكفاءة والتجربة والتكوين الجيد في عدة حقول معرفية، وهي مواصفات كانت دائما شبه غائبة لدى أغلبية النواب الأردنيين على مدار المجالس النيابية السابقة. ومن المؤكد أن هذه العوائق لا تؤثر فقط على أداء البرلمان داخليا وتكرس صورته السلبية لدى الرأي العام، إنما تلقي بظلالها على صعيد عمله الدبلوماسي الخارجي وذلك نظرا لتعقيدات القضايا الدولية وعدم قدرة البرلماني الأردني، الذي يفتقر إلى المواصفات المطلوبة، على الحوار والتواصل الجيد مع نظرائه من الدول الأخرى الذين يتم انتقاؤهم بناء على منطق مغاير، مما يؤدي إلى عدم التكافؤ في القدرات والمؤهلات والتجارب، وهو ما لا يسمح بكسب رهانات الدبلوماسية البرلمانية.
كما تساهم الدولة الأردنية سلبا في إضعاف الدبلوماسية البرلمانية نظرا لغياب أجندة واضحة للعمل الدبلوماسي البرلماني وعدم وجود تنسيق دائم مع وزارة الخارجية التي يفترض بها أن تكون على اطلاع مستمر بتقلبات مواقف الدول وعلى نقاط القوة والضعف في علاقات الأردن الخارجية. فغياب مثل هذا التنسيق المسبق مع وزارة الخارجية من شأنه أن يجعل البرلمان الأردني غائبا كليا عن التطورات والأحداث التي تجري على الصعيدين الإقليمي والدولي، مما ينعكس سلبا على دبلوماسيته البرلمانية.
كما تساهم الدولة الأردنية في إضعاف الدبلوماسية البرلمانية من خلال سياستها التي تتبعها في تهميش دور البرلمان وتغييبه بشكل تام عن قادة الدول ورؤسائها الذين يحلون ضيوفا عليها، وآخرهم الرئيس الأمريكي أوباما، حيث كان بإمكان أصحاب القرار أن يقترحوا على الرئيس الأمريكي أن يلقي خطابا أمام أعضاء مجلس الأمة أو أن يقوموا على الأقل بترتيب لقاء خاص لهم مع الرئيس أوباما وذلك بهدف العمل على رفع شأن البرلمانيين الأردنيين في عيون دول العالم وقادتها، فيبدأون يحسبون حساب البرلمان الأردني ويضمنونه جداول زياراتهم المقبلة إلى الأردن، ويحرصون على مخاطبته حرصهم على التحدث في كل من الكونغرس الأمريكي والكنيست الإسرائيلي والبرلمان البريطاني.

بقلم:د .ليث كمال نصراوين