في ذكرى 24 آذار


 
في الذكرى الثانية لاعتصام 24 آذار، نستذكر فرص الجهات الرسمية والحراك الشعبي الضائعة معاً. للأسف، فإن قرار مواجهة التجمع أمام دوار جمال عبد الناصر، يوم 25 آذار، والأسلوب الذي اتبع، كان امتداداً، وبالوقت نفسه نقطة فارقة في التصعيد، لسياسة تعميق الفرقة السياسية، نجحت جزئيا في التخوف من الحراك الشعبي.
فمنذ صباح 24 آذار، كانت الرسالة من خلال مسيرات الولاء، مع الاحترام الكامل لحق مناوءة الحراك من المواطنين بالتعبير عن رأيهم، هي التشكيك بانتماء المعارضة الوطني وكأن التظاهر السلمي، كأحد أشكال التعبير السياسي المُنظم، ليس من حق المعارضين والمعترضين على السياسات الرسمية.
وها نحن نحصد بعض ثمرات تلك السياسات، كعامل رئيسي وليس وحيدا، يمنع اتفاق المعارضة على برنامج موحد، سواء بالمطالب، أو إيجاد الرؤية المستقبلية للتغيير، طبعاً من دون إنكار النوازع الإقليمية الموجودة داخل المجتمع والحراك نفسه وتغذيتها من بعض التيارات، سواء بسبب الخوف المشروع ، أو غير المشروع.
سياسات التفرقة أصبحت معوِّقة أيضاً، للتوجهات الرسمية نفسها، ولا أعني أي توجه للمحاصصة أو الإقصاء، لكن أعني أن أية خطوات إصلاحية ولو بالحد الأدنى، تصطدم بالمخاوف التي غدت حاجزاً بين القلوب والعقول.
كل ذلك لا يعفي الحراك من أخطائه، بما في ذلك في يومي 24 و25 آذار، وهو موضوع ما زال يثر البحث والجدل في أوساط الحراك والأحزاب، وكان ذلك واضحا في استنكاف قوى كانت موجودة في الاعتصام قبل عامين، من فعالية إحياء ذكراه ليلة الأحد الماضي.
فقد رفعت شعارات، خاصة في يوم 24، غير متفق عيها، ما فهمته من الكثيرين، طالت مؤسسات الدولة، فاختلطت معارضة السياسات بشعارات، مقصودة أو غير مقصودة، تعني المطالب بإسقاط هذه المؤسسات وهي مطالب يُجرى تجنبها في ثورات إسقاط الأنظمة فما بالك في حركة تطالب بإصلاح النظام؟ وإن كان من الموضوعية الإشارة أن تلك الشعارات لم تكن الغالبة على الاعتصام، بل النافرة والخارجة على اجماع القوى المنظمة والمشاركة.
تلك الشعارات بعينها، أعطت الذريعة لقرار القمع الأمني خاصة بعد أن تناهت معلومات بأن النية تتجه إلى إعلانه اعتصاماً مفتوحا، أو تحويل الفعالية إلى ميدان التحرير تتجاوز سقوفه المطالب الإصلاحية.
لم يكن ذلك كله مبرراً لاستخدام الحل الأمني، وبالأسلوب الذي استخدم، والتعامل مع المعتصمين وكأنهم أعداء الوطن والشعب، لكن الاعتراف بجوانب خلافية لما حدث، هو في سبيل الدعوة إلى المراجعة النقدية والموضوعية والصريحة لما جرى في اليومين المشهودين.
لكن في النهاية، تبقى ذكرى 24 آذار مهمة وجميلة رغم الألم، لأنها شكلت في صورتها الكبيرة من أجمل مشاهد الوحدة الوطنية