دخان أوباما الأسود 1

دخان أوباما الأسود !
الكلمات الثلاث أعلاه وردت في مقال السيد عبد الباري عطوان المنشور صباح الجمعة الماضية على صفحات جريدة " القدس العربي " التي يرأس تحريرها ، نبني عليها بعد الإستئذان من كاتبها لنتساءل وبأعلى درجات الهدوء والموضوعية إن كنا ننتظر شيئا آخر مختلف عن هذا " الدخان الأسود " الذي إرتفع عموده في سماء فلسطين المحتلة ، وبما يعكس هذا الإنحياز الأعمى والحاقد " لإسرائيل " من السيد الرئيس أوباما والذي حمله في قلبه قبل أن يملأ به حقائبه وملفاته التي أحضرها معه إلى المنطقة العربية والتي يزورها للمرة الأولى خلال فترة ولايته الرئاسية الثانية .
أوباما صاحب البشرة السوداء لا يستطيع بل هو أعجز وأضعف من أن يتنكر أو يتمرد على كل ما تفرضه وتمليه على سيادته السياسات العنصرية والإستبدادية " البيضاء " التي سارت على هديها كل الرئاسات والحكومات الأمريكية التي سبقت الرئيس أوباما الأسود ، وعلى الأخص في كل تلك التفاصيل المتعلقة بأمن "إسرائيل " ومنذ أن تأسس كيانها على أرض الوطن الفلسطيني من جانب ، وفي كل ما يتعلق بالإستحواذ والهيمنة والسيطرة والسرقة لكل ثروات المنطقة العربية و في مقدمتها النفط من جانب آخر .
أوباما وبكل تزلف وإبتذال مهين جاء إلى المنطقة طالباً الرضى من " إسرائيل " ومن حكومتها التي يترأسها المجرم نتنياهو ، ولذلك فقد حاول وبأقبح ما في قاموسه من عبارات الإستجداء تقديم كل لوزام الطمأنينة التي يحتاج إليها الكيان الصهيوني العنصري عبر التعهد بدعم أمنه ووجوده قويا في المنطقة وإلى الأبد ، وليؤكد لقادة هذا الكيان بأنهم لن يكونوا وحدهم ما دامت الولايات المتحدة الأمريكية موجودة .
نعم ، لقد أراد أوباما في كل ما قال وفعل أن يظهر شاذاً وبكل ما في الشذوذ من معنى بالمقارنة مع كل رؤساء أمريكا البيض الذين سبقوه ، ولذلك لم يجد حرجا أبدا في أن يرتمي تحت أقدام المجرم العنصري نتنياهو طالبا الصفح والغفران ، ولم يظهرعلى أوباما كذلك أي حرج في أن يبدو وأن يتصرف وكأنه موظف صغير وذليل عند " إسرائيل " وبالتحديد في حديقتها الخلفية ، ولذلك فهو لم يتوانى في إعطائها الضوء الأخضر لتنفيذ كل الجرائم التي تفكر في إرتكابها في المنطقة بحق إيران أو غيرها .
بالمقابل ، وعلى الصعيد الفلسطيني فلا بد من التأكيد على أن المأساة والكارثة التي عاش الشعب الفلسطيني تحت ظلالها لم تحظى عند الولايات الأمريكية ومنذ حدوث نكبة الإغتصاب ، وسرقة الوطن الفلسطيني على أيدي العصابات الصهيونية ، وصولا إلى ذلك الخطاب الإستجدائي والذليل الذي استقبل به الرئيس عباس ضيفه الرئيس أوباما في وكر العار الملقب " بالمقاطعة " في رام الله ، لم تحظى و عند كل الرؤساء الذين واكبوا قيام الكيان الصهيوني بذرة إنشغال أو إهتمام ، ولم تلقى عند حكوماتهم وكل الإدارات التابعة لها سوى المزيد من التنكر وإدارة الظهر لأبسط الحقوق الإنسانية الفلسطينية .
قدم الرئيس عباس للأمريكان كل ما هو مطلوب من التنازلات ، وعلى عكس المجرم نتنياهو الذي ينال دائما كل ما يتمناه ، وارتمى وانبطح كثيرا على أعتاب البيت الأبيض في واشنطن على أمل أن يحظى برضاهم ، وأبدى لهم كامل الإستعداد لقبول وظيفة " خادم " عندهم في حديقتهم الخلفية ، ولكنه وحتى زيارة أوباما الأخيرة لم يكن يحصد من وراء هذا التذلل سوى الخيبة ، والمزيد من الصفعات والضغوط حتى يقدم المزيد من التنازلات التي لا يتوقف عدونا الصهيوني عن المطالبة بها .
دخان أوباما الأسود والقبيح والذي غطى سماء رام الله وبيت لحم ليس بالأمر الجديد على القضية وشعبها ، وإذا كان الراحل الكبير القائد أبو عمار قد رفع لهم عبثاً غصن الزيتون الأخضر بالأمم المتحدة في عام 1974 ، وإذا ما تذكرنا القائد ا لكبير الراحل جورج حبش الذي بُح صوته وهو يؤكد صارخا في كل خطاباته بأن أمريكا هي رأس الأفعى ، وإذا ما نظرنا بألم إلى أسلوب الإستجداء الرخيص المصر على إستخدامه الرئيس عباس ، فسنخرج بنتيجة مفادها بأن الخلل الإستراتيجي الذي يحيط بالقضية كان ولا يزال في المرمى الفلسطيني ، ولم يكن في يوم من الأيام في واشنطن ، أو في مجلس الأمن والأمم المتحدة .
لا يكفي أن تتظاهر الفصائل الفلسطينية وبأعلى درجات الخجل في وجه أوباما ، ولا يكفي أن تقول حركة حماس بأن الرئيس الأمريكي قدم خطاباً مسموماً ، فكم هو مناسب في هذه الأوقات التي توغل فيها " إسرائيل " بممارسة التهويد ، وبتوسيع نشاطها الإستيطاني وبإقتراف أكثر الجرائم دموية ، كم هو مناسب أن يكون لشعبنا الفلسطيني كلمته ، وكم هو ضروري من هذا الشعب أن يعيد حساباته في كل ما يتعلق بالثوابت الوطنية التي تحكم صراعه مع العدوالصهيوني .
سنوات أوباما الأربعة العجاف والسوداء ستنتهي سريعا ، والرئيس عباس سيرحل عن هذه الدنيا إن لم يكن اليوم فغدا ، وسيواصل نتنياهو ومن سيأتي بعده اللجوء دائما إلى إستخدام كل سياسات الإجرام العنصرية بحق شعبنا وقضيته العادلة ، ولأن فلسطين هي الباقية ، فلن يطول اليوم الذي سيأتي على شعبنا وعلى كل قواه الوطنية والذين سيكتشفوا فيه مدى الحاجة إلى تفجيرالإنتفاضة الجديدة في وجه هذا العدو الذي لا تردعه غير القوة ، وكل تأخير عن العودة إلى درب المقاومة لن نجني من وراءه غير الندم ، والندم لا يكفي لتحرير الوطن وإستعادة الحقوق المغتصبة !
د.امديرس القادري