رسالة أوباما والاستقرار


 
قضاء الرئيس باراك أوباما في عمان، ليلة بدلا من المرور لساعات أو ليوم في عمان ، في اللغة السياسية يعني أن واشنطن تؤكد دعمها لاستقرار الدولة والنظام ، لكن الموقف الأمريكي، له شروطه ومتطلباته وبالتالي ثمنه - في خدمة الإستراتيجية الأمريكية وأهدافها في المنطقة.
واشنطن تتوقع من حلفائها، إعادة إنتاج أدوارهم ، وإلا يصبح الحليف أقل قيمة، أو ممكن الاستغناء عنه، مع أنه في التقويم الأمريكي لا يزال الأردن ضروريا في مواجهة ما تراه الدوائر الأمريكية مدا للإسلام السياسي المتطرف، استفادت منه في البدء، لكنها تخشى أن تفقد سيطرتها عليه وقدرتها على احتوائه، وهي ليست التجربة الأولى في تاريخها.
الرسائل الرئيسية التي وجهها اوباما للمنطقة، قالها عند أصدقائه الإسرائيليين، وبكل وضوح وأهمها؛ ان إسرائيل واستقرارها وتفوقها العسكري، لم يفقدا قيمتهما، وتعهد باستمرار المساعدات وتجديدها، والثانية، ان إسرائيل وحدها هي القادرة على تقدير الأخطار التي تهددها وبالتالي لا يحق لأحد التدخل في قرارها باتخاذ الخطوات المناسبة، في إشارة إلى حرية إسرائيل في توجيه ضربة لإيران.
يجب أن نعي بأن وعد اوباما ، بالابقاء على حجم المساعدات إلى إسرائيل، يختلف عن أي تصريحات مماثلة في السابق، لأنها جاءت تجاوباً مع حملة صهيونية هائلة ، بدعم من لوبي الصناعات العسكرية في داخل الولايات المتحدة، هدفت إلى استثناء إسرائيل من قانون جديد في الكونغرس سيقلص حجم الدعم المالي الخارجي، في دول العالم، كجزء من تعديلات فرضتها ضرورة تخفيض الإنفاق العام لأسباب اقتصادية بحت.
إذ أنه وتقريبا لأول مرة، هناك إحساس لدى مؤيدي إسرائيل بالتطورات، أهمها اقتراب أمريكا من الاكتفاء الذاتي في مصادر الطاقة، وتركيزها على جنوب شرق آسيا، يجعل إسرائيل أقل أهمية في الإستراتيجية الأمريكية، على أساس أنه لا خوفا أمريكيا من انقطاع تدفق مصادر الطاقة من المنطقة، وبالتالي فهي أقل حاجة لإسرائيل للمساعدة في تأمين نقاط الملاحة المفصلية، مثل مضيق هرمز، إذا حاولت إيران إغلاقه أو تعطيل المرور من خلاله.
لذا سعت مراكز الأبحاث الصهيونية التوجه، إلى تقديم أوراق، لتأكيد أهمية إسرائيل القصوى للأمن الأمريكي القومي ونفوذ واشنطن الدولي، وذلك بالإشارة إلى ثلاثة تهديدات؛ أولاً، أن المنطقة ستظل مصدر حوالي 20 % من تصدير النفط ومشتقاته، وإن أي خلل سيؤدي إلى رفع أسعارها، ثانياً: أن الخطر الإيراني النووي هو أكبر تهديد للمنطقة، وبالتالي يجب الاعتماد على إسرائيل كخط الدفاع أو بالأحرى الهجوم الأول، وثالثاً، ان العالم العربي قد يسقط في أيدي متطرفين إسلاميين، وعليه فإن إسرائيل تبقى ضمانة الاستقرار في المنطقة.
كل تصريحات أوباما، منذ بدء جولته إلى هذه اللحظة، تدل أن اوباما اقترب من الاقتناع، بمعظم هذه الطروحات، وما يترتب عليها ليس لقوة اللوبي الصهيوني فحسب، بل للتحالفات القائمة بينه وبين احتكارات صناعية أمريكية، لها تأثيرها في الكونغرس وعلى الإعلام الأمريكي، وهذا يفسر جزئياً أن يذهب الرئيس الأمريكي بالقول بانه لن يسمح بهولوكست أخرى، أي أن يردد مزاعم بنيامين نتنياهو بأن إيران تشكل "خطراً وجودياً على إسرائيل وكل اليهود ".
تعهدات أوباما هي عملياً انتصار جديد لنتيناهو الذي وإن تراجعت قوة تحالفه اليميني في الانتخابات، إذ أن فشل قيام تحالف "الوسط" في قيادة حكومة جديدة ، وضعف العالم العربي وخنوعه، والمخاوف المتنامية، من أن التفاهم مع الإخوان المسلمين خاصة في مصر، لا يعني بالضرورة السيطرة على التيارات الأكثر تشدداً، التي قد تخدم في تحديها وتدميرها لمفهوم القومية ، وحتى الدولة القطرية ، مصالح أمريكا وإسرائيل ولكن قد تشكل خطراً على كل من المدى الاوسط والطويل.
ومن هنا جاء مدخل من القوى اليمينية ، الصهيونية وغيرها لإعادة صياغة أهمية الدور الإسرائيلي، لكن المشكلة الأكبر إن إعادة إنتاج دور أية دولة أخرى في المنطقة، يراد وضعه في السياق نفسه: أي أن تكون في وجه الخطرين الإيراني و"السني المتطرف".
كما كانت هذه الرؤية مدخلا للمصالحة التركية، التي تمثل الإسلام "السني المعتدل"، مع إسرائيل، وهذا ينطبق على الأردن أيضاً ، المطلوب منه دور في خطة السيطرة على واقع سورية وتشكيل مستقبلها، تحيي السيطرة الأمريكية الكاملة.
فأين نحن؟ هل يكمن استقرار الأردن في استيفاء شروط الدور مهما كان الثمن؟