عندما يتصيد الإعلام

الدول عادة ما توقع اتفاقية نشرمقابلات الزعماء مع الإعلام ضمن شروط تحددها مسبقا

لم يكن توقيت نشر صحيفتي "اتلانتك ونيويورك تايمز"الكلام المنسوب للملك عبدالله الثاني بريئا بل يأتي ضمن مخطط للوبي الصهيوني"لاصطياد الأردن قيادة وشعبا" وإلا ما معنى أن ينشر ما نسب للملك بعد أكثر من أربعة اشهر على مرافقة الملك إلى قرية الياروت التي زارها في الثامن من تشرين الثاني من العام الماضي.
إنها سوء النية والتصيد لا غير، فالأردن يتعرض إلى ضغط هائل منذ سنوات من أجل إيجاد حل للقضية الفلسطينية على حسابه وحساب الشعب الفلسطيني، فإما أن تجدوا مخرجا يحمي الاحتلال ويحفظ كرامته وإما الفوضى قادمة والسيناريوهات كثيرة وتبدأ من ضرب عصب النظام الأردني وهو العشائر والمؤسسة الأمنية من خلال إثارة الخلاف وإظهار أن الأطراف تقف في خنادق متقاتلة، وهذا ما نشهده منذ عدة سنوات.
مَن المستفيد مِن الإساءة للعشائر؟ مَن المستفيد مِن إساءة الظن بدائرة المخابرات؟ مَن المستفيد مِن زج مُكوِّن أردني ضد آخر؟ مَن المستفيد مِن طرح المحاصصة بين المواطنين؟ مَن المستفيد مِن الإساءة للرموز والمؤسسات الدستورية؟
الإساءة في المقال وزّعت على الجميع من دون استثناء، تعالوا ندقق في المعلومات والمصطلحات المستعملة: الأردن بلد فقير ومخيّب للآمال، ليس بالضرورة جيّدا أن تكون مَلِكًا، فالملك نادم على تسمية ابنه وليا للعهد والعشائر أصبحت "ديناصورات" ودائرة المخابرات "صانعة المشاكل" و "الزرقاء مدينة الفلسطنيين الساخطين" و"الإخوان تكتل ماسوني" والملكة "أيقونة أزياء عالمية" و"أجندة شرق أردنية" ، غرب عمان تنشر الإشاعات السيّئة ومدير مخابرات مات بالعار، وكلها عبارات مسيئة وتقدح حقدا ولا علاقة لها بالمهنية ونقل الحقيقة، لأن أغلبها جاء على لسان الكاتب الذي خلط كثيرا بين موقفه وكلمات الملك، وكأنه ينشر "بورتريه قلمية".
لا أريد الدخول في تفاصيل ما قيل وما لم يُقل والحقيقة الضائعة بينهما، لكن لا يجوز التقليل من خباثة المنشور كما لا يجوز الاتكاء على مهنية الصحف والصحافيين الأجانب في تناول قضايانا، فالمهنية تقوم على قول الحقيقة لكن اذا تم اجتزاؤها أو ربطها بطريقة غير بريئة، فإنها تعطي المعنى العكسي، وكذلك انتقاء كلمات وشطب أخرى قد يؤثر في المعنى والهدف.
هذه ليست المرة الأولى التي يتسبب فيها الصحافي جفري جولدبرج بغضب في عمان، فقد سبق ورافق الملك في جولة تخفٍ في الزرقاء عام 1999 وكتب كلاما وصفيا أقرب إلى "التخويث" والآن يعود الصحافي نفسه إلى إساءة استغلال علاقة الصداقة وطيب التعامل.
نعرف أن الصحافة الغربية لا تتعامل بالمقاييس نفسها التي نتعامل معها في الوطن العربي، خاصة أسلوب الكتابة أو الحذر من الإساءة للآخرين، فمن الواضح أن الصحافي جولدبرغ صاحب حظوة وتربطه علاقة قوية بالقصر الملكي وقد يكون الكلام الذي سمعه يأتي في إطارعلاقة الصداقة والثقة فجاء الكلام عفويا، وقد يكون الصحافي تصرف مهنيا حسب مفاهيمه لكنه تصرف غير أخلاقي، حيث لا يجوز نشر كلام يسيء للمتكلم أو للآخرين وإذا كان لا بد من النشر فالأفضل تنبيه المتحدث إلى طبيعة كلامه أو ما سينشر منه.
الدرس كبير، ويدعونا إلى الالتفات لوسائل الإعلام المحلية، وواجبنا أيضا الحذر من إطلاق أيدي الصحافيين الأجانب في كل شيء، وأن لا ندعهم يسرحون ويمرحون في أفكارنا أو أسرارنا، وأن نتخلى عن طيبة التعامل، فالصحافي الأجنبي ليس حرا فيما ينشر، والمعروف ان الدول عادة ما توقع اتفاقية نشرمقابلات الزعماء مع وسائل الاعلام ضمن شروط تحددها مسبقا، منها طبيعة ما ينشر وموعده ومكانه.