المشروع الأميركي للديموقراطية في المشرق


 
تحل اليوم الذكرى العاشرة للحرب الأميركية على العراق. كلفت هذه الحرب العدوانية، مئات آلاف الشهداء وملايين المشردين العراقيين وتدمير مؤسسات الدولة وأهمها الجيش الوطني. ومن الجانب الأميركي كانت الكلفة باهظة مع أكثر من 5000 قتيل و55 ألف معطوب جسديا، وربما مثلهم من المعطوبين نفسيا، بالإضافة إلى ترليونيّ دولار. وهو رقم فلكي ساهم في زيادة ثروات النخب الحربية والسياسية الأميركية، ولكنه أرهق المالية العامة والاقتصاد في الولايات المتحدة، فنشأ عن ذلك ما سُمي ب " عقدة العراق".
لم تسهم الحرب وتكاليفها البشرية والمالية في تغيير النَظْمة ( السستم) العراقية نحو ديموقراطية حديثة بناءة، وإنما نحو تفسيخ المجتمع العراقي إلى مجاميع مذهبية وقومية، تنتمي في عقليتها وممارستها إلى ما قبل الدولة. وما يزال الإرهاب فاعلا في البلاد، والانقسامات حادة، ومشاريع إعادة البناء معطّلة.
الخلاصة المستفادة من التجربة العراقية المفجعة هي أن فكرة إعادة بناء الدول وتحديثها من فوق ببرامج استشراقية، وبتجاهل مكوناتها وتراثها وحساسياتها، هي فكرة كارثية .
لم نكن مغرمين بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، ونعرف نقائصه جيدا، ولكن "الدمقرطة " الناجمة عن المشروع الأميركي، شكلت خطوة إلى الوراء عن نظامه في عملية التقدم العراقي.
دمقرطة العراق، كانت بالنسبة للأميركيين، تعني شيئا واحدا هو عملية نقل السلطة من الأقلية السنية إلى الأكثرية الشيعية. ولا أريد، هنا، أن أدخل في سجال حول مؤامرة أميركية، لكن من الواضح أن المشروع الأميركي للعراق، تسبب في تدميره وتفكيكه وبناء الأرضية لحرب أهلية دائمة.
في العام 2009، نشرتُ سلسلة من المقالات المطوّلة في نقد النظام السوري، وكنت أتمنى أن يذهب السوريون إلى تفاهمات للإصلاح السياسي ووقف النهج النيوليبرالي واستئصال الفساد، والمحافظة، في الوقت نفسه، على النهج العروبي المستقل لسوريا.
وما يحدث في سوريا منذ سنتين هو تكرار للتجربة العراقية بوسائل أخرى، فبدلا من القوات الأميركية، تقوم المجموعات السلفية الجهادية بالمهمة، مهمة تحطيم الدولة السورية. وهي عملية سوف تستمر وتتصاعد حتى لو تنحى الرئيس بشار الأسد، كما هو حادث اليوم في ليبيا ما بعد الإطاحة بالقذافي.
شكلت سوريا البند الثاني على اللائحة الأميركية لدمقرطة الشرق الأوسط، منذ مطلع الألفية. وجوهر هذه العملية يكمن في نقل السلطة، على أساس طائفي وبالقوة وبالتدخل الخارجي، من الأقلية العلوية إلى الأكثرية السنية. وستؤسس هذه العملية للحرب الأهلية الدائمة في سوريا أو تقسيمها.
ما نحتاج إليه في الاردن ليس تجاهل المشاكل كما كان الحال في العراق وسوريا، وإنما البحث عن صيغة وطنية قانونية ديموقراطية و تدرجية، للتوصل إلى حلول لا تتجاهل، بدورها، تركيب البلد وهويته وتراثه وعلاقاته الداخلية المعقدة.