لماذا وجهت صحيفة الثورة السورية تحذيرها للأردن؟

 أخبار البلد- تزامنت بوضوح المعركة التي فتحتها صحيفة الثورة السورية ضد الأردن ولبنان تحت عنوان التراخي عن تسلل الإرهابيين إلى سوريا عبر حدود البلدين مع تلك التسريبات التي توحي بعدم الإعتراض على (نشاطات) أمنية أردنية تحت لافتة إنسانية بدأت تتزايد في عمق جنوب سوريا.
عمليا لا يوجد إعلان رسمي أردني من أي نوع يوضح ما يجري في محيط حدود درعا جنوبي سوريا بمحاذاة الحدود الأردنية حيث صمتت حركة النيران وتواصل تدفق اللاجئين وبدا أن البلدان متفقان على شيء ما في تلك المنطقة المرشحة للتحول لمنطقة عازلة تحت لافتة إنسانية.

بعض النشطاء الأردنيين تحدثوا يومي الأحد والإثنين عن عمق عملياتي جديد للأردنيين داخل نقاط الحدود مع سوريا شمل عدة كيلومترات.

اللافت جدا في السياق أن السفير السوري في عمان الجنرال بهجت سليمان لم يعترض إطلاقا على المسألة بل ساهمت سفارته في تسريب معلومات تفيد بان ما يجري لوجستيا وأمنيا في مربع الحدود الأردنية السورية متفق عليه مع دمشق أو على الأقل لا يوجد في مواجهته إعتراض سوري.

ما يصادق على هذه الرواية هو تجنب الإعلام السوري وطوال الأسبوع الماضي التعرض للأردن من زاوية نفوذه المتزايد في أوساط عشائر وديمغرافيا وجغرافيا منطقة درعا جنوبا مع بروز آليات تنسيق ميدانية من الواضح أن عدد اللاجئين لن يزيد بدونها على الأرض.

القراءة السياسية للمشهد لا تبتعد عمليا وعملياتيا عن السيناريو الإنساني والروسي في التعاطي مع ملف اللاجئين والسماح للأردن بدور (نافذ) جنوبي سوريا حيث تقلص حضور الجيش النظامي على الأرض وتزايد نفوذ الجيش الحر والسلفيين المقاتلين.

أما القراءة اللوجستية الأمنية فتتحدث عن بعد آخر يبقي للأردن عمليا (موطيء قدم) في نقاط ما بعد الحدود الدولية الرسمية وفقا لنظرية لنظام بشار الأسد (ترحب) بدعم روسي بأي ملامح إشتباك بين الأردن ونشطاء جبهة النصرة الذين باتوا يهددون الأمن الداخلي الأردني أيضا.

هنا حصريا يمكن قراءة هجوم صحيفة الثورة السورية الأخير على الأردن وتحذيراتها له بأنه سيكتوي بنار الإرهاب الذي يسمح بتسلله إلى درعا على أساس أنه نوع من الضغط والتحفيز السوري النظامي الهادف في المحصلة إلى بقاء عمان (نشطة وفعالة) عندما يتعلق الأمر بنفوذها في محيط درعا خصوصا في التصدي لمقاتلي جبهة النصرة.

بعض الأوساط الأمنية المحلية في عمان تتحدث عن إختلاط محتمل لمقاتلين من جبهة النصرة بأوساط لاجئين سوريين وعن قاعدة لوجستية وسياسية وبشرية داعمة لجبهة النصري في الساحة الأردنية المحلية ممثلة بالتيار السلفي الجهادي.

القيادي في التيار السلفي الأردني محمد شلبي – أبو سياف- كان قد أبلغ (القدس العربي) في وقت سابق بعدم وجود ملاحظات على تحول أردني ضد المجاهدين في سوريا حتى اللحظة مشددا على أنه (لكل حادث حديث) إذا حصلت مقدمات للإشتباك ومؤكدا بانه لا يتوقع حصول إحتكاك بين السلفيين والنصرة والحكومة الأردنية.

الوقائع على الأرض تقول بعكس ذلك فالتقارب مع روسيا ثمنه وضع خطة جماعية مفصلة تحت عنوان مواجهة الإرهاب ومؤسسات القرار الأردنية تبدو مقتنعة اليوم بأن الصدام يقترب من مجموعات النصرة ووجود نشاط زائد لهم في جنوب سوريا يعني بأن عمان ستتحرك لحماية حدودها ومصالحها وإن كانت لا تسعى لأي إحتكاك صدامي.

والوقائع على الأرض تقول بتنامي نفوذ الدور الأردني في جنوب سوريا مرحليا وفي نطاق تسوية نهائية مسألة باتت تكتيكيا أساسية بالنسبة لعمان لإنها تضمن جلوسها على الطاولة عندما تحين التسوية الكبرى, الأمر الذي يبرر ويفسر كثرة الشكوى من تزايد عدد اللاجئين السوريين شمالي الأردن دون إغلاق الحدود.

وعلى هذه الأسس يمكن تلمس مؤشرات حيوية تفيد بن نظام دمشق يحفز الأردنيين ويضغط عليهم إعلاميا وبدأ يميل لذلك إعتبارا من الأسبوع الماضي حيث وجهت عدة رسائل إعلامية تحذيرية لعمان من المرجح أنها قد تنفع في التغطية على (إتفاقيات) غير معلنة أو ضمنية او مسكوت عنها عبر الوسط الروسي بدأ مشهد الحدود يترتب على أساسها.

..هذه الإتفاقيات لا احد يعرف تفاصيلها وحيثياتها لكن الخبراء يشتمون رائحتها ويتلمسون ملامحها عمليا في محيط العلاقة اليومية بين دمشق وعمان خصوصا لوجستيا وحدوديا وإلى حد ما أمنيا.

وأغلب التقدير أنها (تفاهمات) تتخذ حتى الأن طابعا سريا وتستند إلى وقائع المشهد على الأرض في حوض درعا وحوران المشترك بين البلدين وإن كانت تقاهمات إضطرارية وليست إختيارية للجانبين وتتبدل أو تتغير بالقطعة ووفقا للإعتبارات اللوجستية في المنطقة وبناء على ميزان القوى الدولي والإقليمي.

لكن في جوهر وعمق المشهد ثمة إرتياب متبادل وأوراق تحتفظ بها عمان ودمشق بإتجاهات متعاكسة مما يجعل هذه التفاهمات مضطربة أو غامضة أحيانا ومما يدفع بإتجاه رسائل من نوع آخر أكثر خشونة خصوصا وأن عدة جهات واطراف وليس جهة واحدة تتحكم بالقرار السوري اليوم. 
القدس العربي.