العبور الحضاري الى الديمقراطية المتجددة: دور رئيس الوزراء

توصلت الى هذا المصطلح "العبور الحضاري الى الديمقراطية المتجددة” بعد قراءة تحليلية مفصلة للأوراق النقاشية الملكية الثلاث سواء في مقابلات تلفزيونية أو كتابة مقالات مترابطة متلاحقة في مقالاتي للعمود الاسبوعي في جريدة الدستور. 

و أعتقد أنني توصلت الى فهم عميق للأوراق الثلاث من حيث أهدافها و مكوناتها وصولا للديمقراطية المتجددة و أدوارها و المتعلقة بكل قسم من النظام السياسي من أجل الوصول الى الاصلاح الشامل مع الأخذ في الاعتبار "المديات” الزمنية المطلوبة و التعاون بين كل قسم و عدم استقوائه على الآخر و حفظ التوازن فيما بينها. 

بعد هذه المقدمة الضرورية لهذا المقال "المستطرد” أعود الى مفهوم العبور الحضاري الى الديمقراطية المتجددة. في تصوري ان العبور الحضاري الى الديمقراطية المتجددة هو التحول الى الديمقراطية المتجددة بصورة سلسة, أي بدون تضارب في الأدوار أو المنهجية أثناء التطبيق والمحافظة على التوازن فيما بينها كما طرحها جلالة الملك في الورقة النقاشية الثالثة التي تعتبر المفتاح العملي والاختبار الحقيقي في حالة التطبيق. 

ذكرت أن الدور المناط بكل مكون من نظامنا السياسي, مهم للغاية ولا يمكن تجاوزه و لكن الاشكاليات المتوقعة هو الزمن الذي يأخذه كل دور و مدى اختراق المكونات الأخرى لأدوار انيطت بها. ان دعوتي للعبور الحضاري هو التخوف من حدوث مثل هذه الاختراقات بخاصة من قبل بعض النواب كما جرى في احدى جلسات المجلس الأخيرة, ما اعاد الى الذاكرة سلوكيات بعض النواب في مجالس سابقة تحت قبة البرلمان أو خارجه؛ ما استوجب وضع مدونة للسلوك واعادة النظر في النظام الداخلي للمجلس لضمان عدم تكرار مثل هذا السلوك. 

ان انجاز كل دور مناط بكل قسم من نظامنا السياسي وان كان استحقاقا للاصلاح الشامل, فانه لا يتم بشكل متزامن مع الأدوار الأخرى وانما يتم بشكل متدرج. و لهذا فان العبور الحضاري أخذ مكانه كأولوية عندما بدأ باختيار رئيس الوزراء بعد مشاورات أجراها دولة رئيس الديوان مع الكتل النيابية والنواب المستقلين و بدأت جولة دولة الرئيس المكلف باجراء عملية المشارورات مع الكتل النيابية والنواب المستقلين و لكن بصورة مفصلة, و في اعتقادي بأنها ستكون عملية شاقة وحقيقية وبخاصة أنها ستأخذ في الاعتبار كتاب التكليف السامي الذي نص فيما نص على صياغة برنامج عمل لمدة أربع سنوات قادمة مع تحديد الأولويات لهذا البرنامج. و هذا يتطلب جهودا مضنية من دولة الرئيس المكلف والحصول على اجماع أو قواسم مشتركة بين جميع النواب أو غالبيتهم. لأن هناك "ثقة” تنتظر الرئيس ووزراءه. 

ان دولة الرئيس المكلف, كما هو معروف عنه لن يؤجل هذا الاجماع أو التوافق عليه بين النواب الى يوم الثقة. فهو لن يشكل حكومته دون ضمانة بأنه سيجتاز هذه البوابة التي تمكنه من الحصول على الثقة, لا أقول بيسر ولكن بشكل حضاري. و في اعتقادي بأن فرص المغامرة أو المخاطرة أمام الرئيس محدودة, لذلك فهو سيأخذ وقتا ويكون صبورا و منشرح الصدر او عريض الكتفين كما يقولون فيما يمكن أن يواجهه من صعوبات قبل اخراج تشكيل وزارته. و اذا لاحظنا التصريحات الصادرة عن دولة الرئيس المكلف فهي قليلة الى حد ما وحذرة و يعود في كل شيء الى ما ورد من أطر أو توصيفات للحكومة البرلمانية وكتاب التكليف السامي كمرجعية للحوارات مع المجلس. 

صحيح أن دولة الرئيس المكلف قد جاء بدون أجندات خاصة أو يضمر عداوة لأي كان أو أي أولوية لابقاء أي من وزرائه السابقين و هو قادم للحوار مع هذا المجلس لما فيه المصلحة العليا. و لكن الرئيس المكلف لا بد و أن له استراتيجية للتفاوض لها مرجعيات واضحة, و هي كما ذكرت كتاب التكليف السامي ووجهات نظر الكتل البرلمانية والنواب المستقلين. و صحيح أن الرئيس سيأخذ وقته الكافي في التفاوض و الحوار, و لكن الزمن له ثمن ولا يمكن اعتباره من الزمن الضائع, فهو مرتبط باستحقاقات دستورية, و هذه حقيقة يدركها جميع أطراف المعادلة المعنية بالمصلحة العليا. انني على ثقة بأن الرئيس المكلف قادر على اجتياز هذه المرحلة اذا ما قورنت "بالتجربة المرة” التي واجهها في احد اجتماعات مجلس النواب الأخيرة, و كانت على عكس ما اعتقد خصومه بأنها ستفقد الرئيس صبره أو أن بمقدورها أن تجبره على التراجع عن رفع المشتقات النفطية و لكن على العكس فانه لم يفقد صبره ولم يتراجع عن قراره الذي وصفه جلالة الملك بالشجاعة. 

و خلاصة الرأي بأن العبور الحضاري الى الديمقراطية المتجددة يتوقف بشكل رئيس على قدرة الرئيس على الحوار والتفاوض مع الكتل النيابية والنواب المستقلين والوصول الى وفاق وطني أو منجز وطني بأخذ المصلحة العليا في الاعتبار. وهناك طرف ثالث وهو الملكية الهاشمية ودور الملك كقائد موحد و منع أي فرصة للاستقطاب. اذا تكاملت أدوار هذه المكونات فاننا نضمن عبورا حضاريا الى الديمقراطية المتجددة. أما القسم الأول وهو تكوين الأحزاب السياسية نتيجة خروج الكتل النيابية بأفكار ثابتة أو تشكيل أحزاب جديدة ذات قواعد عريضة فان ذلك يستدعي بعض الوقت والتدرج في تحقيقه.