جريمة بحق سوريا جريمة بحق الإنسانية


ليست المرة الأولى التي تدين فيها منظمات حقوق الأنسان ، طرفي الصراع السوري ، وتوجه إنتقاداتها للنظام وللمعارضة ، وتحميلهما مسؤولية إرتكاب إنتهاكات بحق الإنسانية ، على أيدي مقاتلي الطرفين الجيش النظامي والجيش الحر ، لأن سلوك الأول في تعامله لا يعكس نظاميته ويفتقد للإنضباط ، وسلوك الثاني لا يعبر عن مضمون الحرية ولا يعكس تطلعات الشعب السوري نحو المعارضة في أن تكون البديل لنظام يحمي الأمن والتعددية وحقوق الأنسان .

وبعد سنتين من الصراع الدامي ، فشل النظام وجيشه من إنهاء المعارضة ولجمها وتقويض دورها ، مثلما فشلت المعارضة في إسقاط النظام وتصفية رموزه ، ولم يحقق أي منهما هدفه ، وكلاهما بات تحت رحمة نيران الأخر ووقعا أسيرين ، لمخططات عدو سوريا ، وهو المستفيد الوحيد من تدمير وطن السوريين وخرابه وإضعافه ، وعدوهم هو إسرائيل الذي يحتل أرض بلادهم ، ويتأمر عليها ويوجه لها الضربات المركزة المتقطعة ، بهدف إبقاء التفوق الإسرائيلي ، وسوريا ضعيفة ، وبقاء الجولان رهينة لجيش الأحتلال .

لقد تطلع السوريون ، نحو الأرتقاء إلى ما هو أفضل مما كانوا يعيشون فيه ، فقد تعودوا على تجاوزات الأجهزة ، وتكيفوا معها ، ولكنهم مع ثورة الربيع العربي ، حلموا ، بنظام تعددي تقوده سلطة تفرزها صناديق الإقتراع ، ويحتكم إلى معايير حقوق الأنسان مثل كل الشعوب المتحضرة ، ولكنهم بدلاً من ذلك أُبتلوا بالثورة الدموية والربيع الأسود والسلوك غير الديمقراطي ، فتم قتل أبنائهم وشردت عائلاتهم ودمرت بيوتهم وفقدوا السكينة والأستقرار والطمأنينة ، وسيدخلوا دوامة التجارب المريرة كما حصل للعراقيين والليبيين ومن قبلهما الأفغان والصومال ، هذا إذا نجح أحد طرفي الصراع في إنهاء الأخر ، أو أن كليهما وصل لطريق مسدود ، لا مجال لهما إلا الجلوس على طاولة تقاسم السلطة كما فعل اليمنيون ، فالمشهد السوري ، ينطبق عليه المثل الشعبي الدارج " هرب من الدلف ، فوقع تحت المزراب " .


لست متعاطفاً مع النظام السوري ، ولكنني أحسده على صموده في وجه التحالف الدولي المتعدد الأطراف الذي يستهدفه ، مثلما لست متعاطفاً مع المعارضة المحظية بالدعم الأميركي الأوروبي الخليجي التركي ، ونحزن كأردنيين وعرب ومسلمين ومسيحيين ، لما وصل إليه حال سوريا من ضعف وخراب وتشرد ، فبدلاً من أن تكون دمشق بقدراتها وجيشها وشعبها رافعة سياسية ومادية لنا كأردنيين ، ورافعة لنضال الشعب الفلسطيني في وجه المشروع التوسعي الإسرائيلي ، بات الشعب السوري الموجوع ، عبأ ً علينا ، ومحل دعم وإسناد من قبل إمكانات شعبنا الأردني المتواضعة ، ومن قبل عواطف الفلسطينيين وعذاباتهم ، الذين يحتاجون لروافع عربية تعينهم ، وليس لمزيد من المأسي تُضاعف من أوجاعهم .

h.faraneh@yahoo.com