العودة إلى افكار البخيت
نجحنا في تجربة اختيار الرئيس بالتشاور او بالمشاورات ,لكن لا يبدو اننا ننجح في تشكيل الحكومة بنفس الطريقة ,فالمشاورات عند هذه المرحلة تتعقد وتأخذ المنحى الذي سيبقى يهدد عملية تشكيل الحكومات البرلمانية بدون احزاب وعلى اساس الكتل النيابية المؤقتة او تلك التي تتشكل بعد الانتخابات لا قبلها ولا تجمع بين اقطابها فكرة او برنامج وانما مجرد خواطر ومشاعر مشتركة في الاطار العام وليس في القضايا التفصيلية .
سنعود الى خيار الانتظار والعمل التدريجي المضني مع الناخب كي يحسن خيارات اقتراعه اولا ,ثم يؤمن بالاحزاب وينتخبها وبعد ذلك نبدأ العمل مع ممثلي الشعب منذ لحظة انتخابهم لمساعدتهم على الخروج من قمقم الدائرة الانتخابية الضيقة الى رحاب الوطن حتى لا يغلبهم الوهم بأن النائب بلا برنامج شعبي يتبناه حزب ,يستطيع ان يصمد ويملي اشتراطاته تحت القبة ويكون له رأي حاسم في القضايا الكبيرة ومنها تشكيل الحكومات ,فالنواب مكون قد يكون من الهشاشة احيانا بحيث يفشل في الاستمرار عند حدوث ما تعرف ب (عزلة الاقلية البرلمانية )ويكون اجراء انتخابات مبكرة من مصلحة حزب او كتلة او أقلية برلمانية ,فالنواب ينهزمون مثلهم مثل الحكومات وتسقط برامجهم عند التصويت ثم يعودون الى تصحيحها وطرحها من جديد الى ان تنجح او يتم تغييرها بالكامل وهكذا تستمر اللعبة الديمقراطية الى ان تتكرس وتصبح ثقافة يؤمن بها الجميع ويمارسها الجميع ويحترمها الجميع .
سنعود الى افكار د.معروف البخيت بهذا الخصوص ,فالرئيس المفكر طرح برنامج وعي بالمرحلة القادمة لم يلاق التقدير اللازم من النخب السياسية والاحزاب ورجالات العمل العام كما يفترض ,فكيف بالعامة من الناس ,وهذا البرنامج نشر في صحف وقيل في محاضرات وندوات ولخص بلسان د.البخيت على شاشة التلفزيون الاردني ,ومع ذلك جاءت الاستجابات محدودة او انها غير مقتنعة بأن علينا الانتظار عشرين سنة – على الاقل – كي نكرس ثقافة ديمقراطية في شرايين المجتمع الاردني تسبق الشروع بتشكيل الحكومات البرلمانية على اي اساس كان سواء تعلق الامر بوجود احزاب ناضجة او مجرد تكتلات او كتل سياسية ,واليوم بعد أكثر من سنة على نشر هذه الافكار ومع اولى تجارب التشكيل الحكومي خارج التقاليد المعروفة نصطدم بحقيقة اننا نعاني ازمة وعي بما نفعل ,ومن سوء تقدير للعمر الزمني الذي نحتاجه كي نتجاوز مرحلة تغليب المشاعر الانسانية على السياسية في العمل العام .
ثبت ان تجربة التشاور لن تنهي ازمة ما لم تنته بحزم احد الطرفين وهو في هذه الحالة الرئيس المكلف حتى لو كان عليه ان يذهب طالبا الثقة قبل ان يحسم نتيجة التصويت ,وثبت في المقابل ان النواب دخلوا حالة القناعة بأنهم سيشكلون الحكومة او ان تشكيل الحكومة بدونهم امر مستحيل وبالتالي اصبح التشاور معهم امرا ملزما حتى في نتائجه,وهنا الطامة الكبرى اذ كيف يعطى نواب بلا احزاب حق تشكيل الحكومة البرلمانية الاولى ,وبما ستختلف هذه التجربة عن تجربة توزير النواب لضمان الثقة كما حدث في حكومات اردنية سابقة ,ويبقى السؤال : هل هذه هي الحكومة البرلمانية الاولى ام انها المحاولة الاولى لتشكيلها بالتشاور وقد فشلت..!