فايز الفايز يكتب .. إشكالية الهوية الوطنية
أخبار البلد
يعتقد البعض ، لا بل يؤمن بأن إثبات هويته هو بطاقة أحوال شخصية مرّقمة يحرص عليها داخل محفظتة في الجيب الخلفي لسرواله ، ومنصب سياسي يتفاخر به ، فيما هناك الكثير من المواطنين البسطاء لم يعتادوا الصراخ والولولّة عند أول شوكة حظّ يشاكون بها ، ولا يلتفتون الى بطاقات وأرقام تتغير بتغير السياسات ، بل أن هويتهم هي هذه الأرض الطيبة ومنصبهم هو التاريخ المتسلسل من التضحيات والإخلاص والوفاء ، وكل من دخل في هذا الخط الأرضي التاريخي بتضحية وإخلاص لأبناء شعبه فقد احتصل على الهوية التاريخية حتما ، بعكس من رموا بتضحيات أهلهم وراء ظهورهم ، ونكثوا عهد الله و خانوا أمانة وطنهم ، فلا وطن لهم ولا هوية ، حتى لو كان أصلهم من قمة جبل في الشراه .
عندنا مشكلة هوية ، والجميع يعرف ذلك ، ولكن مناقشتها تعتبر أحيانا من المحرمات ، وهذا سببه إزدواج المعايير الغبية ، فلا خروج من الدوامة إن كان طوق النجاة دوامة أخرى ، فقد تهوات الهوية الوطنية الى هويات فرعية طغت عليها ، وهذا نتاج ثقافة سياسية ضحلة ، وتربية مجتمعية متخلفة عززتها عوامل سياسية ومطامح شخصية فئوية لدى طبقة من الإنتهازيين الذين لا يرون في الوطن سوى ما يملأ جيوبهم ويحقق مطامعهم ، وهذا غاية في الأنانية الرخيصة ، ليس للشوفينية علاقة بها ، بل أن عقدة الاضطهاد باتت احد مظاهر مرض الوهم الذي أصاب البعض من الطرفين .
ألمانيا ، القوة الاقتصادية العظمى في أوروبا ، مرتّ في تجربة سياسية مريرة بعد الحرب العالمية الثانية ، واضطهدت إعلاميا وسياسيا ، وأخذت بجريرة الحزب النازي ، فبات محرما على شعبها الافتخار بوطنيته ، حتى شعرت أجيال من الشعب الألماني بعقدة الضمير لما جرى لليهود فيما سمي بالهولوكوست ، لذلك لم يستطع أي ألماني إعلان اعتزازه بوطنيته أو رفع علم بلاده في أي محفل دولي حتى العام 2006 حيث حطم منتخب كرة القدم وأمواج المشجعين ذلك السور العظيم من الخوف وأطلقوا لحناجرهم الصداح وماجوا بالعلم الوطني وغنوا بالسلام الوطني دون رهبة .
لذا لا يمكن لأي إنسان إلا أن يبحث عن رمزية يلجأ لها لسبب ما ، إما للتفاخر أو لإثبات النسب وهذا غريزي لدى البشر ، ولكن ليس هناك من يعلنها صراحة ويقول ما هو السبب في الكراهية التي زرعت بين الأشقاء الذين عايشوا ذات الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، رغم أن الغالبية العظمى ليس لها يدّ فيما جرى للآخر خلال مرحلة من التاريخ ، وهذا ما نستيقظ عليه للأسف بين الفينة والأخرى ، وكأن مشكلتنا فقط هي أصل الفتى ، رغم أن الفتى لا يستحق أن يكون يكون رقما في تذاكر المسافرين على قطار الزمن .
الوطنية ليست رقما ، ولا هوية ، ولا حصة في كعكة ، ولا نسبا لعائلة ، ولا علاجا لمرض سياسي مزمن ، بل هي إيمان بوعي ، وعمل بإخلاص ، ودفاع عن حق الشعوب ، أما ما يجري في أغلبه فليس سوى نهب للرصيد الأساسي لقيم المواطنة وثروة الوطن ، وهدم لأعمدة الدولة السياسية ، ونسف لقواعد البنية الإجتماعية يمارسها البعض ممن لا يرون سوى فتحة جيوبهم ، لا شرقي ولا غربي فهم سواء فيما يتعلق بمصالحهم ، وعندما تكون المصلحة وطناً ، نرى الفرق والتفريق على أيديهم وبألسنتهم .
الأردن سيبقى وطن الجميع لأن الله اختصه بجمع الفرقاء والمهجرين على ترابه ، ولا يمكن لحجر سقط من هنا أو هناك أن يغلق مجرى النهر ، فمن يعمل بإخلاص وإيمان فهو إبن الوطن ، ومن يسترزق على حساب البسطاء وأبناء الوطن ، ومن ينهب منه ومن يطعن به ، ومن يسرق ثرواته ، ومن يتخابر مع أعدائه ، فلا وطن له حتى في أعالي البحار ، لأن الأمراض يمكن علاجها إلا الحقد والحسد فلا خلاص منهما سوى الموت ، فلننته من هذه المتسلقات الضارة بقانون يحمي وطنيتنا ، ويجتث هذا الإرث السياسي و الثقافي والتربوي الذي يضرب العمود الفقري للدولة والوطن .
ROYAL430@hotmail.com