بعد الجولة الأولى مع الكتل!

توقعنا أن يكون الجزء الثاني من مشروع الحكومة البرلمانية، أي التوافق على الفريق الوزاري، هو الأصعب. لكننخشى أن نصل إلى الأسوأ، أي الفشل! والبعض، كالعادة، يرى أن كل ما يجري تمثيلية، وأن الأمور محسومة؛ فرئيس الوزراء مقرر منذ زمن، والفريق جاهز سلفا، والثقة مؤمّنة. لكنالحقيقة غير ذلك؛ فالضباب يلف المشهد، واللايقين سيد الموقف عند النواب، كأفراد أو كتل، وقد نتجه إلى الشلل.نكتشفأن إعادة الأمر إلى النواب، كما طالبنا دائما، ليقرروا بشأن تشكيل الحكومة، يحتاج إلى توافق مائة وخمسين شخصا أو أغلبهم على قرار واحد، وهو في ثقافتنا العربية ما يقترب من الإعجاز! وهكذا، بعد أن قضينا عمرا نطلب لمجلس النواب هذا الدور، قد نجده يفشل فيه. وسيسارع كثيرون إلى استخدام المثل المعروف: "من أول غزواته...".وفقالطريقة القديمة، كان على النواب أن يذهبوا فقط إلى إعطاء الثقة أو حجبها عن الحكومة. وكالعادة، كانت الأغلبية محسومة لصالح الثقة. لكن الذين كانوا سيعطون الثقة لأي حكومة تأتي، هم أنفسهم الآن يعجزون عن تشكيل الحكومة حين أحيل القرار لهم. وهذهليست نتيجة طيبة أبدا، وهي تعطي الحجة القوية لأعداء الإصلاح الديمقراطي للقول بأننا غير جاهزين للديمقراطية ولأخذ القرار بيدنا. وقد ركز الرئيس المكلف د. عبداللهالنسور، كثيرا على هذه القضية، مشددا على عدم تضييع الفرصة التاريخية الماثلة، والتي تضع قدمنا في ركاب العصر والحداثة السياسية.هناكتنويع من الاستعصاءات. أولها، حيرة النواب أمام تجربة غير مسبوقة تشلّ موقفهم، فلا يحزمون أمرهم بأي اتجاه. بعضهم لا يريد تحمل المسؤولية شعبيا عن رئيس وعن حكومة ستكون قراراتها بالضرورة غير شعبية؛ وبعضهم الآخر يبحث عن مصلحة ما فلا يجدها بصورة محددة، فيحجم عن تحديد موقف. وهناكخلاف أولي حول مشاركة النواب في الحكومة، ومن يؤيد توزير النواب يريد ذلك غالبالنفسه،وبعكس ذلك سيعرقل المسار وينقلب عليه؛ وثمة من يتريث بانتظار إنضاج تفاهم جانبي، مثل توزير أخ أو قريب، ليقرر دعم الرئيس.والرئيس يجد نفسه في وضع مستحيل؛ فإذا قرر الأخذ بمبدأ عدم توزير النواب، قد يخسر كثيرين يريدون المشاركة، وسيحرضون على حجب الثقة. أما إذا أخذ بمبدأ التوزير، فسيجد نفسه أمام السؤال المحير: كيف؟! هليطلب من الكتل التنسيب بأسماء وهو يعرف أن هذا سوف يزلزل كيانها ويشقها (وقد يقال بعد ذلك إن هذا كان مخططا معدا لتدمير صورة وسمعة مجلس النواب!)،أم يحتفظ لنفسه بالخيار، فيغامر بإرضاء عدد محدود وإغضاب الأغلبية في كل كتلة؟في جولته الأولى مع الكتل، عرض الرئيس نفسه بتوسع، وسمع بتوسع. وانطباعي أنه ابتدأ منفتحا على فكرة إشراك النواب في الحكومة، وانتهى متحفظا عليها. ولاأرى أنه يستطيع بدء جولة ثانية بدون أن يكون قد حسم أمره بالوصل أو الفصل. وفي الحالتين، يجب أن يعرض على الكتل آلية محكمة للمشاركة في اختيار الفريق الحكومي.jamil.nimri@alghad.jo