الاستقرار مع رفع الأسعار

التحذيرات التي تنطلق هذه الأيام من مغبة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة واتساع دوائر الفقر والبطالة والحرمان، لن تقدم جديداً ولا حلولاً، إذ الحكومة عاجزة أمام الأمر، وليس بمقدورها كبح جماح المتغولين على الشعب من المتحكمين بالثروة والمقدرات، ومن يعملون بقوة الاحتكار والتحكم بالسلع وأسعارها.

 

أما تداعي الحكومة للبحث بالأمر بعد أوامر الملك بخطوات فورية لتخفيف أعباء المعيشة، فإنه لن يكون أكثر من مجرد اجتماع وبحث، يقابله عجز عن اتخاذ قرارات وخطوات عملية تفي بتأمين المطلوب. وذلك لأن المسألة لا تخص قول وزير الصناعة والتجارة بأنه لن يتردد بوقف تصدير أي سلعة، وإنما الإعلان فوراً عن وقف التصدير الذي أوصل الأسعار إلى أرقام فلكية كما حدث مع البندورة وباقي أنواع الخضروات، وهي حتى الآن ما زالت بعيدة عن متناول وقدرات الغالبية من الناس. وذات الأمر لتلويح الحكومة بإجراءات حازمة للحد من ارتفاع الأسعار، إذ الأصل ليس التلويح وإنما قرارات للتنفيذ الفوري.

 

مشكلة الحكومة مع الناس أنها غير واقفة تماماً على حقيقة أوضاعهم المالية، وأنهم بالأساس عاجزون عن توفير المتطلبات الضرورية، حتى وهي أقل سعرا مما هي عليه، وأن الغالبية العظمى من ذوي الدخل المحدود مدينون للبنوك والشركات، وأن المتبقي من رواتبهم لا يكفي للخبز وفواتير الماء والكهرباء، وأن الأكثرية تعيش وفق ترشيد شديد في تناول الغذاء، وأن أكثره بقوليات وخضروات رديئة أو أنها صنف ثالث ورابع.

 

مراجعة الأسعار التي تنوي وزارة الصناعة والتجارة عملها، إنما هي تعبير عن خلل استراتيجي في أدائها، طالما أنها لا تعرفه تماماً الآن، وواجبها أن لا يكون غافلاً عنها على مدار اللحظة. وأغلب الظن أن الوزير نفسه لا يعرف تماماً سعر كيلوغرام القهوة، وإلى أي مستوى ارتفع، ومثلها الألبان، واللحوم والمعلبات، وكل المواد الضرورية لحياة الناس.

 

أما الحديث عن تقليل هوامش الربح فإنه كلام حق يراد به باطل، إذ التحكم به بيد التجار وليس الحكومة، الغائب عنها انعدام التنافس بينهم، وبدلاً منه تفاهمات على العرض والطلب والسعر.

 

عندما يتحرك الوزير أو أي فرد من الحكومة أو رئيسها نحو جولات ميدانية، نجدهم في المولات أو المؤسسات المدنية والعسكرية التجارية، ويظهر الخبر بالتلفزيون والصحف بوجود المتسوقين بما يوحي قدرات شرائية، ولو أنهم يتجولون مرة في أسواق الجمعة والبالات والأسواق الفرعية لشاهدوا من أين تؤمن الغالبية العظمى من الناس احتياجاتها، وطبيعة النوعية التي يتمكنون منها، وكمياتها المتواضعة.

 

ليس متوقعاً أن تفلح الحكومة بتوفير الحماية اللازمة لناس، وأغلب الظن أننا لن نشهد تحركات على غرار تونس والجزائر ذلك أن المشكلة بعجز الطرفين.