أربع سنوات ونَلِد "حكومة برلمانية"!
|
|||
إنَّها أربع سنوات، يخلق الله فيها ما لا تعلمون؛ لكنَّها، على ما يُفْتَرَض، ستكون فترة (أو مرحلة) انتقال إلى نوع جديد من الحكومات في الأردن، يسمَّى "الحكومة البرلمانية"؛ فحكومة د. عبد الله النسور الجديدة، الثانية، ورَفْعاً لكل التباس، متعمَّد أم غير متعمَّد، ليست من هذا النوع، أو هذا الجنس، من الحكومات؛ لأنَّ "الحكومة البرلمانية"، أو "فكرتها"، هي "عَرَبَة" تحتاج إلى "حصان" يجرها؛ وهذا "الحصان"، والذي هو كناية عن "الأحزاب السياسية"، و"القانون الانتخابي (الحزبي) الجديد، الجيِّد للحكومات البرلمانية"، لم يُوْلَد بَعْد، على افتراض أنَّه الآن "جنين" في "رَحْم" حكومة السنوات الأربع، التي شرعت تنتهي إذْ كُلِّف النسور تأليفها. وإنَّ من الأهمية السياسية بمكان، من وجهة نظر "الهدف النهائي" لـ "الإصلاح السياسي"، ولكل إصلاح لا بدَّ منه لإنجاز "الإصلاح السياسي"، أنْ تُعرَّف حكومة النسور على أنَّها "حكومة غير برلمانية"، وأنْ نَزِنها، قولاً وعملاً، من الآن وصاعداً، بميزان "المهمة العظمى" التي ينبغي لها إنجازها، في السنوات الأربع المقبلة، والتي نتمنَّى ألاَّ يجعلها "الغلاء" كأربعة آلاف سنة مِمَّا يَعُدُّ الشعب؛ وهذه "المهمة"، التي لا يحسده على شَرَف تجشُّمه إنجازها إلاَّ كل من أشكل عليه تمييز "الوهم" من "الحقيقة"، إنَّما هي "التأسيس" لـ "الحكومة البرلمانية"، التي يُفْتَرَض أنْ تظهر إلى حيِّز الوجود بعد أربع سنوات؛ ولن يكون النسور رئيساً لها إلاَّ إذا أسَّس له، في هذه الفترة الانتقالية الطويلة نسبياً، حزباً سياسياً، فاز بما يفي بهذا الغرض من المقاعد النيابية. ثمَّة من أسماها ("الفترة الانتقالية"، مع حكومة النسور الثانية) ثورة بيضاء؛ وثمَّة من اكتشف أنَّ الأهمية الكبرى لهذه الفترة الانتقالية تكمن في كونها تدعو ضِمْناً إلى الاستعاضة عن "الشكل الشعبي" لـ "الربيع العربي"، في الأردن، بـ "الشكل البرلماني (والحكومي)"؛ فَلِمَ لا يُضيف الشعب إلى فضيلة تقشُّفه الاقتصادي فضيلة جديدة هي التقشُّف السياسي، أيْ "تجميد" الحراك الشعبي أربع سنوات، لا أكثر، يَرْقُب فيها ولادة "الحكومة البرلمانية" كما يَرْقُب الرَّاعي طلوع الأخضر؟! ورَفْعاً لالتباس آخر، أقول إنَّ كل "حكومة برلمانية"، من حيث "المحتوى" وليس من حيث "الشَّكل" فحسب، تَصْلُح دليلاً على وجود الديمقراطية في النِّظام السياسي والمجتمع؛ لكنَّ وجود الديمقراطية في النِّظام السياسي والمجتمع لا يستلزم دائماً، وفي كل مكان، وجود "الحكومة البرلمانية"، وإلاَّ حَكَمْنا على الولايات المتحدة، التي لا تَعْرف جِنْس الحكومات البرلمانية، بخلوِّها، نظاماً سياسياً ومجتمعاً، من الديمقراطية! وتنقيطاً لكثير من حروف "المهمة الانتقالية الكبرى" التي أخَذ النسور على عاتقه إنجازها، في السنوات الأربع المقبلة، أقول إنَّ الحكومة البرلمانية التي وُعِدْنا بها هي أوَّلاً الحكومة التي لديها من سلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية ما يكفي لجعلها "حكومة"، أيْ سلطة حاكمة؛ وهي، ثانياً، الحكومة التي لها غالبية برلمانية؛ وهي، ثالثاً، الحكومة الحزبية، التي يؤلِّفها حزب واحد إذا ما كان مهيمناً على غالبية المقاعد النيابية، أو أكثر من حزب، وتسمَّى، في هذه الحال، حكومة ائتلافية حزبية، أكانت تحظى بتأييد غالبية برلمانية ضيِّقة أم واسعة؛ وهي، رابعاً، الحكومة التي تنبثق من برلمان حزبي، أو حزبي في المقام الأوَّل؛ وهي، خامساً، الحكومة التي تنبثق من برلمان، انبثق من انتخابات برلمانية، أُجْرِيَت وَفْق قانون (ونظام) انتخابي يسمح بـ "حَزْبَنَة" البرلمان، أيْ جعله حزبياً، تهيمن عليه الأحزاب السياسية؛ لكن، هل (وهنا يكمن التحدِّي التاريخي) تأتي الفترة الانتقالية بما يُغْري المواطنين بالدخول في الحياة الحزبية أفواجاً، وبما يسمح بحياة حزبية نَمَت بما يكفي لجعل "الحكومة البرلمانية (الحقيقية)" في متناولنا؟ إنَّنا يكفي أنْ نطرح هذا السؤال حتى يتبيَّن لنا أنَّ النسور، وبصفة كونه المكلَّف بقيادة المرحلة الانتقالية إلى بَرِّ الأمان الديمقراطي، والذي هو كناية عن تلك الحكومة البرلمانية، يحتاج إلى ما يشبه "عصا موسى"؛ وهذه "العصا" إنَّما هي كناية عن رَفْع منسوب الديمقراطية في حياتنا السياسية بما يكفي لجعل المجتمع نفسه هو "الرَّحْم" الذي تنمو فيه "مقوِّمات" الحكومة البرلمانية كما نراها حيث تُرى بالعين المجرَّدة. |