تكليف النسور : الدوافع والمهمات

بعد تكليف د. عبدالله النسور بتشكيل الحكومة ثمة سؤالان أساسيان: أحدهما يتعلق بالأسباب التي دفعت باتجاه إعادة تكليفه والآخر بالمهمات المتوقعة التي يمكن للحكومة ان تنجزها، فيما تبقى ملاحظات اخرى ترتبط بمدى الرضا الشعبي عن الحكومة، وعلاقتها مع البرلمان وحراكات الشارع، وقدرتها على "تغيير” الصورة وتجاوز حالة المراوحة التي نمر بها، والمزاوجة بين مواجهة الاستحقاقات الاقتصادية المعروفة وبين اختراق "الملفات” السياسية المطلوبة.

فيما يتعلق بالدوافع التي رجحت "خيارالنسور” يمكن الاشارة الى عدة أسباب، اولها انه حظي بأغلبية "ترشيحات” مجلس النواب، وبالتالي فإن اختياره بعث برسالة تطمين للمجلس، مفادها ان "بروفة” المشاورات - وان كانت غير ناضجة - الا انها يمكن ان تتطور مستقبلا، وتؤسس لتقاليد سياسية بتشكيل الحكومات والتناوب على الحكم وفق الصيغة "البرلمانية”، أما السبب الثاني فيرتبط بالمواصفات الشخصية للرجل، وتجربته في الشهور الثلاثة الماضية، وقد يكون للبعض تحفظات حولهما، إلا أنه من الانصاف الاعتراف بأن النسور نجح نسبيا في المهمات التي تحملها، واثبت اكثر من غيره انه "المناسب” للتعامل مع الملفات القادمة، بخاصة ملف "رفع الدعم” ومع البرلمان الجديد كما عكس ذلك في مداخلته الأخيرة.

السبب الثالث يتعلق بافتقاد "البرلمان” لخيارات اخرى يمكن ان تنافس في مارثون المشاورات على تسمية الرئيس، فقد انكشف المشهد النيابي نظرا لعدم توافر الشروط الموضوعية لبروز كتل لها مواقف ثابتة، عن ارتباك في الترشيح، ما عزز فرصة وصول د. النسور.

يبقى سؤال المهمات والتوقعات التي ننتظرها من الحكومة الجديدة، واعتقد انها واضحة تماما، فأمام د. النسور "ملف الاقتصاد” وقد اتضحت معالمه، حيث اتجه منذ ايام تكليفه قبل ثلاثة شروط نحو تحرير الاسعار وإلغاء الدعم، بدأ بالمحروقات وثبت على مواقفه، وسيواصل الطريق في ملفات الكهرباء وربما المياه. ولديه الآن ضوء اخضر من الأغلبية البرلمانية التي دفعت بترشيحه ما يجعل مهمته ممكنة داخل البرلمان.

في الحقل السياسي، لا اعتقد أن د. النسور سيستغرق في الملفات الكبيرة التي تحملها مستجدات الشهور القادمة، سواء فيما يتعلق بملف "التسوية” الذي يرجح ان تبدو التحولات السياسية في الموقف الاردني قد بدأت فعلا، لكن هذا لا يعني ان الحكومة معنية بتقديم مقاربات ما حول هذين الملفين، بل سيبقى ملف الداخل السياسي من جهة "مشروع” الاصلاح وحراكات الشارع ومواقف القوى السياسية التي تحفظت على العملية السياسية مطروحا امامه، وفي تقديري ان الرجل سيحاول "اختراق” بعض هذه الجدران، لكن ستبقى النتائج معلقة بقدرة الحكومة على اقامة طاولة حوار وطني تجمع اطياف القوى السياسية على اختلافها للخروج بوصفة توافق عام حول "المختلف” عليه سياسياً.

على كل حال، تبدو مهمة حكومة النسور الثانية محفوفة بالمخاطر، لكنها ستضمن على المدى المنظور "حالة” من الهدوء والانتظار والترقب في الشارع، وستتيح فترة "المداولات” على الثقة والموازنة بين الحكومة والبرلمان الفرصة لترتيب .بعض الاوراق وترطيب الأجواء.
 بقلم: حسين الرواشدة
.