تشافيز.. المقاتل الأمميّ الشجاع

 

 
رَحَلَ تشافيز (الأرجح أنَّه رُحِّل) وهو كامنٌ خلف متراسه ويواصل إطلاق النار على أعدائه الإمبرياليين (وَمَنْ والاهم).. أعداء الشعوب جميعها والحقّ والخير والجمال؛ لكنَّ فكرته واسمه مُنِحا، مع ذلك، حياةً جديدة وسيزدادان تألّقاً وتأثيراً كلَّما مرَّ عليهما الزمان. فقد كان مقاتلاً ثوريّاً شجاعاً، مِنْ أجل الحريَّة والديمقراطيَّة والعدالة، قلَّما جاد الزمان بمثله، استُشهِدَ وهو يدافع بشكلٍ مستميت عن مواقعه ويهاجم مواقع العدوّ بجسارةٍ قلَّ مثيلها. ورغم كثافة دخان المعارك مِنْ حوله، إلا أنَّه كان يرى، بوضوح، ويصوِّب نيرانه، جيِّداً، فلا يخطئ الرماية. ذلك لأنَّه كان يعرف تماماً كيف يميِّز بين الأعداء وبين الأصدقاء ولم يكن ينخدع، مطلقاً، بأحابيل الأعداء وتمويهاتهم وخِدَعهم.
ولقد كرَّس حياته للقتال مِنْ أجل الأهداف الكبيرة النبيلة؛ لذلك لم يستطع العدوّ أنْ يشتريه بالمكاسب الجانبيَّة الصغيرة، ولا أنْ يرعبه بجبروته وبتهديداته.. مهما حاول. وظلَّ تشافيز، طوال حياته، نصيراً مبدئيّاً ثابتاً للفقراء والمظلومين في كلِّ مكان؛ يقف معهم بحزم ويساندهم، عندما يقفون مع أنفسهم؛ ويقف مع مصالحهم وينصرهم على ضياعهم، عندما ينخدعون بأحابيل عدوِّهم وينجرّون وراءه ضدَّ أنفسهم وضدَّ مصالحهم.
وكان، أيضاً، وطنيّاً فنزويليّاً صلباً، ووحدويّاً لاتينيّاً بوليفارياً (وناصريّاً) مخلصاً، وأمميّاً حقيقيّاً متفانياً، شقَّ طريق أميركا اللاتينيَّة إلى التحرّر والتقدّم والوحدة والديمقراطيَّة، بعدما كانت، ردحاً طويلاً من الزمن، تُسمَّى الفناء الخلفيّ للولايات المتَّحدة. أميركا اللاتينيَّة، الآن، بفضل أمثولته ومساندته وكفاح أبنائها، قارَّةٌ حرَّةٌ وناهضة ومتآزرة.
أكثر شعوب العالم خسارةً لتشافيز، بعد الشعب الفنزويلّيّ والشعوب اللاتينيَّة، هي الشعوب العربيَّة؛ فقد كان صديقها الصدوق.. الأكثر محبَّةً لها، وحرصاً على مصالحها، والوحيد مِنْ خارج النطاق العربيّ الذي كان ينظر إليها كشعوب شقيقة (وليس صديقة فقط). والمسألة، بالنسبة له، لم تكن مجرَّد شطحة عاطفيَّة؛ بل كانت منبثقة من الواقع الموضوعيّ المتمثِّل باستهدافنا، معاً، نحن وأميركا اللاتينيَّة (وخصوصاً فنزويلا البوليفاريَّة)، من الإمبرياليَّة الأميركيَّة وشقيقاتها (المراكز الرأسماليَّة الدوليَّة والحركة الصهيونيَّة العالميَّة) وتوابعها المحليَّة (الكمبرادور، والرجعيَّة، ومختلف شرائح البرجوازيَّة الطفيليَّة وأصنافها). لذلك، وقف تشافيز مع الشعوب العربيَّة، بلا تردّد، كلَّما تعرَّضتْ لعدوانٍ إمبرياليّ أو صهيونيّ، وفي كلِّ مطالبها المشروعة وحقوقها العادلة؛ وقف مع الشعب العراقيّ ضدَّ العدوان الإمبرياليّ على أرضه الذي انتهى باحتلالها، ومع مقاومته لهذا الاحتلال بكلِّ أشكاله؛ ووقف مع الشعب الفلسطينيّ ضدَّ الاحتلال الصهيونيّ وغطرسته وجرائمه، ويكفي أنَّه سحب سفير بلاده مِنْ تل أبيب منذ عدوانها على غزَّة عام 2008 ولم يُعِده حتَّى الآن رغم عودة سفيريْ مصر والأردن إلى مقرّيْ عملهما في تل أبيب أواخر العام الماضي؛ وقبل ذلك، وقف مع الشعب اللبنانيّ ومقاومته الباسلة للعدوان "الإسرائيليّ" الغاشم على لبنان في تمّوز 2006؛ ومنذ عامين وحتَّى رحيله، وقف بوضوح مع كفاح الشعب السوريّ وجيشه ودولته ضدَّ العدوان الهمجيّ الذي يشنّه حلف الأطلسيّ، على سوريَّة، بواسطة قاعدته العثمانيَّة ووكلائه النفطيين وأتباعهم وأدواتهم، لتقسيمها وتدميرها وإنهاء استقلالها كي تصبح مجرَّد محميَّة أخرى من المحميَّات الإمبرياليَّة الكثيرة في المنطقة.
برحيل هذا الثوريّ المبدئيّ الكبير، حقَّ لكلِّ أعداء الإمبرياليَّة والصهيونيَّة والرجعيَّة أنْ يحزنوا وأنْ يشعروا بفداحة الفقد؛ لكن، بالمقابل، لم يكن ثمَّة ما يبرِّر الشماتة والفرحة اللتين أظهرهما بعض المتخندقين في الجهة الأخرى؛ فالثوّار الحقيقيّون.. الثوّار الكبار، لا تموت أفكارهم ومآثرهم وأمثولاتهم بموتهم؛ بل تزداد تألقاً ومضاءً، كلَّما مرَّ عليها الزمان.