لا طائفية ولا انقسام

 

انتهى الربيع العربي في مصر الى انقسامات سياسية بين الاخوان المسلمين وبين معارضيهم وهي توصف ( بالعميقة) انسجاما مع ما يردده المثقفون والسياسيون من حديث عن الدولة المصرية العميقة التي تضرب جذورها في التاريخ . وهو كذلك في تونس مع صفة اخرى للانقسام الحاصل فيوصف بانه خلاف بين الاسلاميين وبين العلمانيين ، وليبيا الربيع العربي لا تعطيك إجابات واضحة محددة عن هوية أطراف الخلاف القائم فيها حيث تطغى القبلية على سواها من هويات . 
وأمر اليمن وربيعه منقسم بين ماهو طائفي مع الحوثيين في الشمال وما هو سياسي مع حراك الانفصال في الجنوب وعن سوريا فحدث ولا حرج فربيعها تحول الى ساحة تصفيات لصراعات وأحقاد طائفية وتاريخية، إقليمية ودولية ،فمنذ حكم القياصرة في روسيا وموسكو تتطلع الى الجنوب اما باشعال حروب بالواسطة او مباشرة ومن سوء الطالع انها بغزوها لأفغانستان كانت سببا في اخراج الأصولية والتطرف والإرهاب من القمقم لينتشر في العالم كله .
 وموسكو بسياستها السورية - الإيرانية تصنع الان المناخ لإعادة انتاج النموذج الأفغاني في سوريا وجوارها . 
من نعم الله على الاردن ان الخلاف الطائفي المنتشر لا مكان له بين الاردنيين فلم يعرفوا يوما معنى الانقسام المذهبي بين سنة وشيعة ، ولا مس وعيهم أحقاده وثاراته التاريخية ، وفي الثقافة التراثية للأردنيين عادة الاحتفال بيوم عاشوراء دون ان يخرجوا في تفسيرها عن كونها عادة اسلامية عامة . 
هذه الثقافة لا تمنح التطرف الطائفي بيئة حاضنة لكي يفعل ما فعله من فتن وحروب وانقسامات دول الجوار . على العكس يتعلم الاردنيون كل يوم من مشاهد الصراعات الطائفية المخزية في الدول المجاورة بان الوطنية والمواطنة اعظم الوشائج بين الناس وهي من يصنع الاستقرار في حياة الامم والدول ، وبان تسييس الدين لخدمة الطائفية والتطرف يجر الوبال على الشعب الذي ينتشر بين صفوفه ، كما انه يمس جوهر الايمان الذي وجد لخير الانسان ولحفظ دمه وعرضه وبيته . 
 في بداية الربيع العربي راهن أعداء الاردن وفي مقدمتهم اسرائيل على انقسام الشعب الاردني في ظل مناخات الربيع وتداعياته ، غير ان ما حدث هو العكس ، الأردنيون يتعلمون الدروس اليومية من مآسي الانقسامات في سوريا وغيرها ، لقد تعززت بين صفوفهم المشاعر الوطنية ضد دعاوي الإقليمية والقسمة والانقسام .
 وفات على بعض السياسيين العرب هذه الحقيقة عندما تنبأوا بحدوث انقسام في الاردن تحت وهم الاعتقاد بان رياح التعصب والفتن التي يعيشون في اجوائها ستجد طريقها الى بلادنا تأثرا بالوضع السوري!! .
لا طائفية ولا انقسام في الاردن انما مطالب بالاصلاح ومحاربة الفساد وتطوير النظام ديموقراطيا ، مطالب تلتقي حولها الدولة والقوى السياسية بكل أطيافها، اما الجدل والحراك الشعبي الذي آثاره الربيع الاردني ولا يزال فيدور حول ماهية الاصلاح وادواته وآلياته وقوانينه ، جدل ابعد ما يكون عن الانقسام ودعاوى الانتقام الطائفي والمذهبي وهو خال من اي ثارات وأحقاد تاريخية ،فالدولة الاردنية منذ قيامها منفتحة على الحضارة ومفاهيم الوطن والمواطنة وفي تاريخها السياسي لا يوجد تركة تصفيات ودماء ، لا على اساس حزبي او طائفي .