تشافيز


لا أُحب المقارنات . فأسلوب المقارنات مستفز أحياناً وظالم غالباً . ومع ذلك فنحن نمتاز بأننا من أكثر من يستعمل ( أفعال التفضيل ) والتي تُستعمل للمقارنة أيضاً . وكثيرا ما أرهقنا أطفالنا بمقارنتهم بأقرانهم من أطفال الأقرباء أو الأصدقاء أو الجيران .
ومنها أيضاً المقارنة بين الدّول أو الشعوب أو الحكّام . فكلّ حالة لها خصوصيّتها وظروفها وبيئتها . فكما أنّ لكلّ زمان دولةٌ ورجال ، يُمكن أن نتساءل لو الخليفة العادل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وُجد في زماننا فهل كان سيكون هو عينه عمر بن الخطّاب الذي عاش في عصر النّبوّة والرّسالة تتنزّل وصحبةِ أمثال أبي بكر وعلي رضي الله عنهم أجمعين .
ماذا لو كان تشافيز عربياً ، هل سيكون زاهدا في المنصب يتصرّف كأحد أبناء شعبه . وهل سيكون نصيرا للفقراء والطّبقة المسحوقة أم سينحاز للأغنياء ومراكز القوى . هل كان سيخرج الشّعب كي يحميه بدمه وصدره العاري يوم أن حدث عليه انقلاب مدفوع المال والرّجال ، فأعاده الشّعب حاكما مُتوّجا على القلوب قبل الكراسي . وهل كان سيعود رئيسا في انتخابات حرّة ، و سيُعيد انتخابه وهو مريض بالسرطان رغم علمه أن لا كبير أمل له بالشّفاء .
أظن ( وليس كلّ الظنّ إثم ) أنه لو كان حاكما عربيا لعمل في بداية فترته على تعلّم أصول ( اللعبة ) على أُصولها . ولأحاط به أهل ( الخبرة ) في مختلف الفنون إلا كيف يكون حاكما صالحاً يعمل لخدمة الضّعيف قبل القويّ والفقير مع الغنيّ . ولتضّخمت حساباته في بنوك الغرب ، فبنوكنا تصلح للسّحب وتمويل الصّفقَات والمشاريع فقط . ولَغيّر نصوص الدّستور عدّة مرّات لتجعل منه حاكماً أبدياً مُطلقا لا يُسأل عمّا يفعل . ولزوّر الانتخابات ليحصل على نسبة لا تقلّ كثيرا عن ال 100% . ولشكّل حزباً سياسيا وحصل على الأغلبية في انتخابات أيضا مزوّرة .
من قراءتي لسيرة تشافيز لفتَ انتباهي أمريْن . الأوّل : أّنّه نشأ في أسرةٍ متواضعة . ومن طبيعة من يتربّوا في هكذا بيئة أن يكونوا أكثر حساسيّة وانحيازا لأشباههم وللطّبقة التي نشئوا فيها . فلا يعرف طعم الفقر وقرصة الجوع ولذعة البرد إلا من جرّبها وأكلت من لحمه وعظمه ومعدته . فلا يعلم الشّوقَ إلا من يُكابدهُ ولا الصّبابةَ إلا من يُعانيها . لذلك لم يكن مستغرباً أن يكون أباً للضّعفاء ونصيرا للفقراء فأحبّوه ورفعوه فوق الأعناق والرؤوس . والثّاني : أنّه كان مولعا بالقراءة . ومن كان حاله كذلك كان واسع الأفق مُطّلعاُ على تجارب وثقافات الآخرين . وهذا يجعله صاحب رؤية وموقف مقتنعُ به ، يُنفّذهُ ويّدافع عنه .
إنّ المرضَ والموت لا يُحابيان أحدا . فكما أنّ الفقير يموت لأنه لم يجد ثمن الدّواء ، فالغنيّ يموت أيضا رغم عناية أفضل المراكز الطبيّة . ومن حكمة الله أن يموت السّليم قبل المريض أحيانا . والصّغير قبل الكبير أحيانا . لقد كان في أوج قوّته وشعبيّته وكامل صحّته وعافيته عندما زار صديقه وملهمه المريض الطّاعن في السّن ( كاسترو ) الذي كانوا ينتظرون خبر موته . فإذ بالقوّي الشديد الأصغر سنّاً يقع طريح المرض لا يلبثُ أن يموت بينما ما زال الصّديق على قيد الحياة . ولله في أحكامه وأقداره شؤون .
لقد مات تشافيز نصير الطّبقة الفقيرة والمتوسّطة وقضايا الشّعوب والذي سخّر ثروة بلاده لتحسين وضعها وخدمتها فأحبّوه وبكوْه . ورغم أنّي أختلف مع توّجهه الفكري ومواقفه السياسية الأخيرة , إلا أنني أحترمه لأنه أخلص في خدمة شعبه وعمل حسب مبادئه حتى لو أغضبت الأقوياء .