رحيل شافيز

 


رحل هوغو شافيز، رئيس فنزويلا وأحد أهم زعماء أميركا اللاتينية في القرن الحادي والعشرين، تاركا وراءه إرثا سياسيا سيظل مصدر جدل في بلاده والعالم لفترة طويلة.

رحل صاحب الثورة البوليفارية والمعارض الأشد للرأسمالية والليبرالية الجديدة وأحد أكثر خصوم الولايات المتحدة شهرة في العالم.

ربما كان شافيز آخر زعماء اميركا اللاتينية الثوريين، وبدا في كثير من الأحيان انه خارج سياق الزمان والمكان.

ثوريته وكاريزميته الشعبية وعداؤه السافر لواشنطن وسياساتها وضعته في خانة قدوته فيدل كاسترو وصديقه دانييل اورتيغا. لكنه نجح بالبقاء على رأس السلطة لأكثر من أربعة عشر عاما، حتى وفاته، في عالم تغيرت فيه أبجديات الصراع وسقطت فيه الايدولوجيات.

ألهم شافيز جيلا جديدا من زعماء أميركا اللاتينية، منهم الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا الذي حقق معجزة اقتصادية في بلاده باتباعه ما سمي بالطريق الرأسمالي-الاشتراكي الثالث.

لكن شافيز كان ماركسيا حتى النخاع وكان يؤمن باشتراكية القرن الحادي والعشرين التي تعطي الدولة الحق بتأميم قطاعات واسعة من الاقتصاد، أهمها النفط، في مقابل إعادة توزيع الثروة وتأمين أعلى مستوى للرعاية الصحية والتعليمية.

كان شافيز منحازا إلى الفقراء ورغم سوء إدارة الاقتصاد في عهده، بحسب ما يقول معارضوه، إلا انه استطاع ان يخفض من معدلات الفقر في بلاده وأن يقدم تجربة اقتصادية خلافية حاول البعض في القارة تقليدها.

شافيز العسكري المتمرس والذي قاد انقلابا فاشلا مطلع التسعينيات كان يطمح لتحقيق رؤية المحرر العظيم سيمون دي بوليفار الذي أخرج المستعمر الاسباني من كثير من دول اميركا اللاتينية. من هنا جاءت مواقف شافيز المعادية للامبرالية المتمثلة بسطوة الولايات المتحدة وتاريخها السيء في القارة اللاتينية.

تحدى شافيز اميركا، وتحالف مع اعدائها كإيران وليبيا وكوبا، ووقف الى جانب القذافي وبشار الأسد، وكان صديقا للشعب الفلسطيني في صراعه ضد سياسات اسرائيل الاستعمارية.

رغم شعبيته العارمة، بخاصة في اوساط الفقراء والنخب اليسارية، إلا أن شافيز لم يكن ديكتاتورا بالمعنى الكلاسيكي، وان كان يسعى دوما للهيمنة والاستحواذ على السلطة.

آمن بالديمقراطية التشاركية واستطاع مقارعة معارضيه عبر صناديق الاقتراع ونجح بذلك مرتين كان آخرها في أواخر العام الماضي.

يترك شافيز فراغا كبيرا في فنزويلا والقارة، وهناك من يتساءل عن حظوظ الرجل في البقاء طيلة هذه الفترة لولا احتياطي النفط الكبير وارتفاع اسعار البترول في السنوات الأخيرة. البعض كان يعتبره غوغائيا ونرجسيا وعدوا للاقتصاد الحر، لكن قسما كبيرا من شعبه كان يرى فيه مخلصا وحاميا ووطنيا ومصلحا.

في كل الأحوال من الصعب التكهن بمستقبل فنزويلا بعد رحيله، لكن المؤكد أن شافيز ترك اثرا كبيرا في اميركا الجنوبية وفتح الطريق أمام زعماء وطنيين، مثل ايفو موراليس في بوليفيا، للوصول الى سدة الحكم في بلادهم.

الأهم ربما أنه أعطى للفقراء والمهمشين دورا أكبر بتقرير مصيرهم والحصول على حصة عادلة من الثروة القومية