خمس كاميرات محطمة
حمادة فراعنة
فيلم خمس كاميرات محطمة، قصة بلعين القرية الفلسطينية الباسلة الواعية المعطاءة، المتدفقة ألماً ووعياً في مواجهة الوحش الكاسر المدجج بكل مقومات القتل والدمار، بل أن بلعين هنا وعبر الفيلم، القصة، الراوية، الحدث، الوثيقة هي قصة فلسطين، بكل ما تحمل من معنى ورمزية وروح وتطلعات نحو التمسك بالحياة بكل تفاصيلها، ورفضاً للموت بكل معانيه، ومن أجل ذلك، بل وفي سبيل ذلك يتم تقديم التضحيات، بالروح بالدم بالإعتقال وبالمواجهة، لعلو شأن وإرادة المقاومين، وكسر إرادة المحتل الغاشم والقوة الهمجية المعادية للحياة وللحرية وللإنسان.
خمس كاميرات محطمة، لم ينل جائزة الأوسكار الأكاديمية الأميركية هذا العام، ولكنه وصل إلى أن يكون مرشحاً لنيل الجائزة ضمن « الأفلام الوثائقية « ولذلك فهو إنجاز كبير لفلسطين ولمضمون الفيلم وللمخرج إبن قرية بلعين عماد برناط.
إنجاز للأداء الفني رفيع المستوى على بساطته، ووضوحه والمباشرة التي سيطرت على مشاهد الفيلم ومحتواه، فالأبطال حقيقيون، وهم أهل القرية وجنود الإحتلال والرصاص الحي والمطاطي والشهداء والجرحى، وتفاصيل القرية ومظاهراتها وإحتجاجاتها، لم تكن تمثيلية لممثلين، بل كانوا حقيقيين في أدائهم وتفاصيل حياتهم ورفضهم للإحتلال وللجدار ولمعاناتهم جراء ذلك، فهي مشاهد حقيقية، ومظاهر حسية ملموسة، استطاع المخرج جمعها وتوظيفها بقالب فني أسر، ولهذا وصل الفيلم ليكون أحد الأفلام المرشحة للأوسكار هذا العام.
وهو إنجاز لتقديم صورة عن الفلسطيني للعالم، على أنه صاحب قضية عادلة، ونضاله مدني سلمي مشروع ضد الإحتلال والإستعمار ووحشيته، وهي صورة عارية تماماً لواقع التناقض القائم بين شعب تحت سلطة الإحتلال، يتوق للحرية مثل باقي شعوب الأرض، وبين الإحتلال الإسرائيلي البشع الذي يحول دون الإستقرار والتقدم والحياة.
وهو إنجاز لما تضمنه الفعل الفلسطيني وسجله من إنحياز من قبل المتضامنين الإسرائيليين والأوروبيين والأميركيين، الذين عبروا عن إنحيازهم الواعي للفلسطينيين ضد الإحتلال، مما يعكس ما يملكه الشعب الفلسطيني من عدالة إنسانية وتفهم سياسي من قبل الأخرين، وهؤلاء الأخرون ليسوا فقط من الأوروبيين والأميركيين بل ومن الإسرائيليين الذين يتعرضون للغاز وللأذى وللضرب وللإتهام بالخيانة لكونهم يهوداً وإسرائيليين يناضلون مع الفلسطينيين ضد الإحتلال وضد الجدار وضد الإستيطان، والتوسع الإستعماري.
فيلم خمس كاميرات محطمة، على بساطته، ولكنه نقلة نوعية للنضال الفلسطيني ضد الإحتلال، نقلة حضارية وكفاحية ستثمر ولو بعد حين، فالتفوق العسكري والإقتصادي والسياسي والتكنولوجي والإستخباري الإسرائيلي البائن لن يبقى فارضاً شروطه للأبد لأنه يفتقد للعدالة وللمنطق ولقرارات الأمم المتحدة المنصفة للفلسطينيين، وما فيلم الخمس كاميرات محطمة سوى خطوة لكسر تفوق القوة الإسرائيلية على عدالة وتطلعات الشعب العربي الفلسطيني المشروعة.