كيف صرفت الأموال ؟
جرت العادة ان يناقش مجلس النواب خطة الدولة المالية ( الموازنة العامة) لسنة قادمة ، ويخلو النقاش من التفاصيل الفنية في جلسات البرلمان ، في حين تركز اللجنة المالية على مجمل انفاق الوزارات والمؤسسات وتناقش كل التفصيلات ، وتوصي في تقريرها العام بما تراه مناسبا .
بمجرد اقرار الموازنة كقانون تبدأ عمليات الانفاق في المؤسسات والجهات الرسمية وفق الاصول المتبعة والمقرة في القانون ، ولا يعاد النقاش حول انفاق تلك المؤسسات الا عند الموازنة المقبلة، وتبدأ رحلة النقاش من جديد للسنة المالية المقبلة وهكذا.
خلال العام المالي تختفي النقاشات حول الموازنة سواء من حيث انفاقها او تحقيقها للاهداف المنشودة ، وهذا امر غريب لا يحدث في الشركات ، فكيف الحال بالنسبة لميزانيات الدول!.
عادة ما يجتمع مجالس ادارات الشركات بشكل دوري لمراجعة خطط الشركة المالية بعد اقرارها ، للتاكد من سلامة سير الانجاز وصولا للاهداف ، هذا الامر يجب ان يحدث في الموازنة العامة للدولة ، فتدقيقها الدوري ومتابعة تطور مؤشراتها واهدافها تعتبر اولى خطوات الاصلاح المالي .
وتكون العملية الرقابية على الموازنة العامة مستندة الى معايير قياس اقتصادية تحدد اولويات الانفاق ومدى وصوله للاهداف التنموية المختلفة، والتركيز على اوجه الانفاق المحددة في القانون، والتاكد من عدم صرف الاموال في اوجه غير قانونية .
الرقابة تمارسها جهات رسمية متعددة لعل اولها السلطة التشريعية ، والتي تتاكد من تحقيق الاهداف العامة للموازنة دون التطرق لتفاصيلها الشائكة ، وينتقل الدور الرقابي التفصيلي الى ديوان المحاسبة الذي بات يمتلك كل مقومات الرقابة القطاعية على ادارة الدولة ونفقاتها العامة ، وتضع ملاحظاتها الدقيقة في تقارير ربعية ونصف سنوية اضافة للتقرير العام الذي يتحدث عن التجاوزات في الادارة المالية الرسمية .
تقارير ديوان المحاسبة تعتبر خارطة طريق لراسمي السياسة لوضع يدهم على تفاصيل الاختلالات في الانفاق العام ، وتمتع بمصداقية عالية ، ومهنية رفيعة تستند الى بيانات وادلة دامغة حول من تبث عليهم التجاوزات .
في النهاية تعود الدولة وبعد سلسلة تدقيق مالي في الموازنة العامة الى اقرار البيانات والحسابات المالية الختامية للدولة ، ويصادق عليها مجلس النواب بعد ان يكون انخرط في معرفة تفاصيل الانفاق الرسمي واوجهه المتعددة ، حينها ستتمكن المؤسسات الرسمية بمعرفة التجاوزات والاختلالات التي حدثت في السنة المالية المنصرمة ، وتتجنب تكرارها في الموازنات المالية المقبلة .
للاسف ما يجري الان هو اقرار للبيانات المالية الرسمية في جلسة عادية لمجلس النواب دون معرفة كيف تم صرف اموال الدولةخلال الاثنى عشر شهرا الماضية ، وهو امر يسمح بتكرار الاخطاء والتجاوزات المالية في عملية الانفاق الرسمي.