عاجل .. عشية زيارة أوباما

 

 
هي المرة الأولى، منذ 1967، التي تبادر فيها الولايات المتحدة إلى تحديد إطار عملي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية؛ فوفقا لصحيفة " وورلد تربيون" أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن يسلّمه، خلال زيارته إلى تل أبيب في 20 آذار الحالي،" جدولا زمنيا مفصلا لانسحاب إسرائيلي" من الضفة المحتلة، سيكون، وفق مصادر إسرائيلية، "جزءا من مبادرة أميركية لإقامة دولة فلسطينية العام المقبل".
ليس عندي شكوك في جدية واشنطن في الحصول على ذلك الجدول؛ فالانسحاب الأميركي الاستراتيجي من الشرق الأوسط، والتغيير الجاري في المنطقة العربية، يطرحان على البيت الأبيض، مهمات دعم الأنظمة الإخوانية في سياق تدجينها كليا، وتأمين استقرار الخليج، والتفاهم مع الروس بشأن سوريا ولبنان، واحتواء الملف الإيراني سلميا، والتوصل إلى إطار لمكافحة المجموعات الإرهابية. ووسط كل ذلك، وكنتيجة له معا، ربما يكون قد آن الأوان لإغلاق ملف القضية الفلسطينية في دولة موالية تدمج حماس والفصائل.
الجديد، هنا، أن واشنطن اليائسة من أهلية القيادتين للحل، قررت تحديد عناصر الحل بنفسها وفرضه على الجانبين.
يثير هذا التطور مخاوف جدية؛ فالرئيس الأميركي الذي يأمر الإسرائيليين بجدولة الانسحاب من حيث الزمن والتفاصيل، يترك لهم، وحدهم، حدود ذلك الانسحاب، أي أن إسرائيل ملزمة، أميركيا، بتنفيذ الانسحاب إلى الحدود التي تقررها من جانب واحد. وهذا يعني إطلاق يدها في ضم أراضي المستوطنات وأحواضها وطرقها والمناطق الأمنية وفق المخطط الإسرائيلي المعروف. وستكون الخريطة الإسرائيلية للضفة جزءا من مبادرة أميركية شاملة، أي متبناة من الجانب الأميركي، وسيكون على الفلسطينيين أن يقبلوا بالمبادرة كرزمة. وهو ما سيؤدي إلى تعميق الانشقاق، بل ربما الانشقاقات في صفوفهم، لكن رام الله سوف تقبل "فرصة العمر" هذه، أما حماس، فسترفضها شكلا وتتعامل معها ومع نتائجها موضوعا، وتوظيفها باتجاه انتزاع "السلطة" في الضفة أيضا.
أردنيا، نحن نعيش عشية مواجهة ثلاثة مخاطر استراتيجية، هي، أولا، الكونفدرالية. ولن تكون الكونفدرالية الأردنية ـ الفلسطينية جزءا من المبادرة الأميركية، إنما سوف يُخلق سياقٌ لطرح هذا المشروع محليا وإقليميا ودوليا، ثانيا، اعتبار تجنيس وتوطين المقيمين الفلسطينيين في الأردن، جزءا من الحل، ثالثا التوطين السياسي النهائي للاجئين والنازحين. وهذه المخاطر متسلسلة؛ بمعنى أن صد الخطر الأول لا ينهي الخطر الثاني، وصد الخطرين معا لا ينهي الثالث.
ليس للدولة الأردنية والأردنيين أي مصلحة في الكونفدرالية مع الدولة الفلسطينية، فهي لن تكون كاملة الأراضي أو السيادة، وستظل، عمليا، مرتبطة بإسرائيل، اقتصاديا وأمنيا الخ ما يعني إخضاع الأردن لشروط الاحتلال. كذلك، ليس للأردنيين مصلحة في كونفدرالية ستكون، في الواقع، كونفدرالية مع كل الفلسطينيين في الأردن والضفة وغزة وسورية ولبنان والشتات، أي أنها ستكون، من ناحية المضمون، هي هي "الدولة الفلسطينية الكبيرة".
وإذا كان من المتفق عليه أن أي عملية تجنيس تخرق تعليمات فك الارتباط لعام 88، حدثت أو ستحدث، ليست سوى عملية فساد سياسي ومساس بالأمن الوطني الأردني، فقد أصبح من الضروري أن نضع النقاط على الحروف فيما يتصل بالنازحين ( 1967) واللاجئين ( 1948):
أولا، لا مجال للتفاوض، من حيث المبدأ، على عودة جميع النازحين واعتبارهم مواطنين في الدولة الفلسطينية. إن عودة النازحين إلى ديارهم، مكفولة بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي ( رقم 338) غير خاضع للالتباس مطلقا، وتُعتَبر جزءا من إنهاء الاحتلال. والنازح، بالنسبة للأردن، مخير في العودة الفعلية إلى دولته، لكنه ليس مخيرا في الحصول على الجنسية الفلسطينية ومواطنية الدولة الفلسطينية.
ثانيا، الأردن طرف أساسي في التفاوض حول عودة اللاجئين ( قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194) و لا يمكن التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية من دون تسوية قضيتهم؛ على أن اللاجئ، بالنسبة للأردن، مخير بين الجنسيتين.
نحن أمام استحقاق أكبر من " النواب" والحكومة واللعبة كلها، وآن الأوان للتنادي لعقد المؤتمر الوطني الأردني، خلال الأسبوعين المقبلين، وإقرار وثيقة سياسية تتضمن هذه المبادئ، وإعلانها لدى زيارة أوباما إلى عمان