ياسينو...رحمك الله

ياسينو... رحمك الله
منصور محمد هزايمة
في الوقت الذي وجدنا فيه الفنان دريد لحام يستفز العرب عامة وابناء شعبه خاصة من موقفه المتناقض مع طرحه على مدى نصف قرن عندما شخص في مسرحه الجميل الآمنا واستفز آمالنا وحرضنا على انفسنا في استرداد كرامتنا ردحا من الزمن تغنى فيه بالحرية والحياة الكريمة حيث اضحكنا وابكانا لكن موقف الرجل بدا غريبا حين اختار ان يقف مع نظام قاتل ضد ثورة كان شعارها حرية الغلابا وكرامة المهمشين الذين يشكلون السواد الاعظم ممن كنا نعتقد ان فن دريد يدافع عنهم وما سمعناه مؤخرا من طرد الناس له من مكان التصوير لهو اكبر رفض لموقفه.
قبل ايام اعلن عن قتل شريكه في فن الزمن الجميل الكبير ياسين بقوش ليس مهما ان نعرف ان كان ثوريا ام نظاميا وليس مهما ان نعرف قاتله لانه يثير اشمئزازنا كائنا من كان وانتسب لأي كان فالرجل الذي اضحكنا بأسلوبه وبساطته ودروشته وكنا يوما لا نفرح بمسلسل او مسرح يخلو من ياسين وشركاءه بل كانت اعمالهم تشكل نكهة وطعما خاصا لشهر رمضان آنذاك حيث كان ذلك تسلية الكبار والصغار من الصائمين خاصة ايام الصيف القائضة ويخسر الشهر كثيرا من بهجته بدون مقالبهم الجميلة.
اطراف النزاع تبادلت الاتهام في قتله والقتل في سورية اليوم يبدو للأسف كثيرا وعاديا لكن ما يحز في النفس ان الانسان قد يعتزل كل الاطراف ويرفض تماما هذه الحرب الهوجاء وينأ عن كل هذا الغباء -كما يصفها شاعر الماني عندما يقول (حرب, يا للغباء) وهل الحرب هي غير تعطيل الفكر والعقل وتصريح بالجنون- ومع ذلك لا يشفع له كل ذلك.
مثلما اننا لم نعرف له موقفا تجاه النزاع في بلده ايضا لم نعرف ولم نرغب ان نعرف في اي يوم الى اي طائفة كان ينتمي بل عرفنا توا بعد موته مثلما عرف هو متأخرا انه ليبي الاصل اي انه عاش عربيا ونحسب انه مات عربيا مسلما فقط.
منذ انطلقت الثورة السورية قبل عامين بالتحديد لم نسمع موقفا للرجل يفرزه مع اي فريق وبقي بعيدا عن الاضواء بل ان حياته الفنية تكاد تكون معطلة منذ زمن مع ان اكثر الفنانين السوريين خرجوا علينا علنا متبرعين مصرحين ومعلنين مواقفهم بل ان بعضهم يلبس موقفا ويخلع غيره كما الثياب ويركب الموجه حيث تتجه كما حدث في غير مكان.
المعلومات عن الرجل تقول انه كان بسيطا له عائلة كبيرة ويسكن في مخيم ولم تخدعه الشهرة ولم يحاول ان يهرب بل بقي يعيش بسيطا بين هم من امثاله ويشأ حظه الحزين ان يموت في سن الخامسة والسبعين ليس باقل من صاروخ.
المشكلة في وطننا العربي الكبير انه لا يمكن لك ان تتخذ موقفا تماما مثلما انك لا تستطيع ان تبقى صامتا ولا يقبل منك ان تكون محايدا
اذن ياسين سواء كان فنانا او لا محايدا ام لا لم ينفعه او يشفع له ذلك ولم تخطئه يد الغدر او الة القتل التي تفتك بالسوريين يوميا وقتلوه بصاروخ كان ينبغي ان يوجه الى اعداء ياسين واعداء جميع السوريين.
ملامح الرجل واعماله عبرت عن بساطه اثارت اعجابنا اضحكتنا واسعدتنا ردحا من الزمن لم نتوقع منه اعمالا جديدة في زمن الفن الهزيل لذلك بقيت ذكريات الفن الجميل تكفينا وتكفيه ولم نتوقع يوما ان يسيل دمه في صراع ابناء البلد الواحد.
الدوحة - قطر