الملك يحدد ملامح المستقبل
أخبار البلد
أتت الورقة الملكية النقاشية الثالثة، لتحدد ملامح المستقبل، من خلال تبيان أدوار مؤسسة القصر والحكومات والمجالس النيابية والأحزاب، وصولاً إلى دور المواطن، المعني بقراءة مستقبل الوطن، بعد ما شهده من تحولات على درب الديمقراطية، التي بدأت بعملية انتخابية جرت بمشاركة لافتة ترشيحاً وانتخاباً، واستخلصنا من نتائجها ضرورة وجود أحزاب وطنية وبرامجية، تؤمن بالديمقراطية، وترسخها كثقافة مجتمعية، تعمل على إعلاء قيم التعددية والتسامح وسيادة القانون، وما تلاها من مشاورات لتشكيل حكومة برلمانية، ندرك أنها في النظم المستقرة، تنبثق من رحم المجلس النيابي، مثلما ندرك أن التجربة بصورتها الأردنية، تحتاج إلى التدرج في التطبيق، نظراً لغياب حياة حزبية برامجية فاعلة، ما يستدعي توجهاً شعبياً حقيقياً للانخراط في الأحزاب الوطنية، ليكون ممكناً تعميق نهج الحكومات البرلمانية المأمولة.
الأحزاب المطلوبة ليست مجرد أعداد تنضاف إلى الموجود، فعليها تأطير المطالب الفردية، وتحويلها إلى خطط عمل باقتراحات واقعية وعملية، تفوز على أساسها بثقة الناخب، وليس سراً أن هناك أحزاباً تتقارب في رؤاها السياسية وهي بحاجة للإندماج وبناء جسم حزبي واحد وقوي، وقادرعلى كسب ثقة المواطن، والوصول إلى أغلبية نيابية تؤهله لتشكيل حكومة برلمانية، ولعل تجربة القوائم الوطنية في الانتخابات الأخيرة تكون خطوة على طريق طويل نستفيد فيه من تجارب الآخرين لتسريع عملية تطور الحياة الحزبية، المنبثقة من هموم المواطن ولتلبية احتياجاته، بدل المراوحة مع أحزاب ضعيفة متناحرة، غير قادرة على كسب ثقة المواطنين، وحفزهم على الانخراط في الحياة العامة.
دور مجلس النواب، كما هو معروف، يتمثل في التشريع والرقابة، مع خضوعه لمساءلة المواطنين الذين انتخبوا أعضاءه، ويعني ذلك أن على النائب التمسك بهدف خدمة الصالح العام، بدل السعي لتحقيق مصالح شخصية أو فئوية، والامتثال لحال من التوازن بين المصالح الخاصة بقواعده الانتخابية، والوطنية التي تتطلبها المصلحة الوطنية العليا، وأن يكون الوعي كاملاً بضرورة التوازن بين مسؤولية التعاون من جهة والمعارضة البناءة من الجهة الثانية، وأن لايساء توظيف مبدأ المساءلة ليتحول أداة لتمرير المصالح، أو اغتيال الشخصية، أو تعطيل القوانين، وأن تظل علاقة النائب بالحكومة قائمة على أسس موضوعية، ما يستدعي عملياً تطوير النظام الداخلي لمجلس النواب، وبلورة مدونة سلوك ملزمة، للإرتقاء بأداء العمل النيابي.
الحكومات القادمة، التي نأمل أن تكون برلمانية، ستكون ملزمةً بإعداد برنامج عمل شامل لمدة أربع سنوات، تقدمه إلى مجلس النواب، لنيل ثقته وطلب مساهمته في تشريع قوانين تخولها تنفيذ خططها وليتم محاسبتها على مدى تنفيذه، ما يستدعي تطور دور رئيس الوزراء، حيث عليه حشد كوادر وإمكانات الجهاز الحكومي، لتنفيذ البرامج بأسلوب فاعل ووفق جدول زمني دقيق، ومطلوب من تلك الحكومات وضع معايير للعمل المتميز، وتبني نهج الشفافية والحاكمية الرشيدة وترجمته قولاً وعملاً، فنظام الحكومات البرلمانية يتطلب مزيداً من الانفتاح والشفافية والمبادرة، وتواصل الحكومة رئيساً وأعضاء مع مجلس النواب والمواطنين، والحرص على العمل الميداني.
الأبرز في ورقة الملك هو تحديده لدور الملكية القابلة للتطور بإرادة تستند إلى قناعة راسخة ودافع ذاتي، وهو إذ يحدد دور الملك كقائد موحِّد يحمي المجتمع وقيمه، فانه يتقدم خطوة الى الامام بتعهده الاستمرار في الدفاع عن القضايا المصيرية المرتبطة بالسياسة الخارجية والأمن القومي، من خلال مجلس الوزراء، صاحب الولاية العامة استنادا إلى الدستور، مع المحافظة على بقاء المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية، والدينية العامة، مستقلة، ومحايدة، ومهنية، وغير مسيّسة، مع الإشارة أن مسؤوليات القصر تتطور فعلاً في ظل التعديلات الدستورية الأخيرة، وهذا دليل على التقدم الذي نحرزه، لكن ذلك يستدعي بالضرورة، وجود أحزاب سياسية برامجية، ومجلس نيابي منظم ومشاركة فاعلة من المواطنين.
ويظل أن على المواطنين الانخراط في الحياة العامة، لتطوير نظام الأحزاب السياسية الفاعلة، فهم أصحاب القول الفصل في إخضاع الحكومات للمساءلة، من خلال الانتحابات، باعتبارها الجزء المحوري في العملية الإصلاحية، وأن تكون مواقفهم مبنية على الحقائق، وليس الانطباعات والإشاعات، كما أن عليهم ممارسة الضغوط على الحكومات والنواب في حال عجزهم عن الوفاء بالتزاماتهم، وذلك عبر كل القنوات بما فيها التظاهر كخيار أخير، وإذ يسبق الملك المواطنين والنخب السياسية في تحديد معالم المستقبل، فذلك يستدعي أكثر من مقال هنا وهناك، لمناقشة ما يطرحه خدمة لمستقبل الوطن ورفاه المواطنين.