وخزة...!

وخزة...!
------------
نبيل عمرو-عمان
-فاقد الدهشة يسأل : هل من أردوغان عربي...؟
-أكيد أن النساء والرجال المتفاعلون سياسيا ، إجتماعيا وثقافيا على هذه الصفحة ، باتوا يعلمون ما أعانيه من صديقي اللدود فاقد الدهشة ، الذي يتقمصني ، ينفث خبثا ولؤما سياسيا ، يتصيَّد الأحداث والمواقف ، ليضع النقاط على الحروف ويكشف عورات أنظمة الحكم العربي ، حتى من تدثر منهم بعباءَة الإسلام ، ليس من منطلق الحقد ، التعرية من أجل التعرية ، إنما لتوعية الناس على حالة الهوان والخذلان ، التي ما يزال الحُكام العرب يُغرقون فيها شعوب الأمة.
-صبيحة هذا اليوم ، جاءَني فاقد الدهشة ، شامتا مرة ، فرحا أخرى ومتحديا أكثر...!
-تربع صديقي اللدود على الأريكة ، راح يمارس طقوس لعنته ، قهوة ، شاي ، سجائر ، برطمة وهذر ، وأنا مطنش إلى أن إلتفت إليّ وقال إسمع يا عبقر زمانك ، بالأمس رسم رئيس الوزراء التركي المعاني الأعمق لمفهوم الإسلام السياسي ، ومن ثم أصبح المتأسلمون العرب ، بدءأ بمرسي مصر ، غنوشي تونس وغيرهما من الحُكام المتأسلمين في الوطن العربي ، وكذلك الجماعات المتأسلمة الساعية للحكم ، في مأزق لا يُحسدون عليه ، وأنا أتحداهم اليوم ، إن فعلوا ما فعله أردوغان...!
-واه واه ، وماذا فعل الأردوغان ...؟ حتى يتحدى جنابك الحكام العرب والمُتأسلمين على هذا النحو المشين...؟
-قهقه اللعين ، لوى شفتيه ورسم إبتسامة شماتة صفراء ، وراح يردد ، بَعرف ، بعرف أنكم لا تقرأون وإن قرأتم لا تفهمون...!
-شعرت بغيظ من هذه الإهانات والتحديات ، وصرخت في وجه فاقد الدهشة ،،،ويحك يا رجل...! ألسنا المقاومة ، الممانعة ، الصمود ، التصدي وجايينك يا فلسطسين جايين...؟ وبعد كل هذا يأتي من يسخر منا...! ""ما حبيتها منك يا صديقي ""، فيبدو أنك مُتحامل على حكامنا...! وإن كان لديك ما تقوله ، أُدلقه الآن لأني بدي أروح أشتري خبز وبعض ما تيسر من طعام لهذا اليوم.
-أهّا ، فعلا أن ما يشغلكم بطونكم فحسب ، أما عقولكم فسابحة في الأوهام ، في الكيد لبعضكم وبفتن التشظي والإنقسام ...! ، ومع ذلك بسيطة ، سأحكي ، على أمل أن تفهموا هذه المرة ، وأن لا تتعاملوا مع السياسات الدولية بعواطفكم ، التي تؤججوها وتُشعلوا نيرانها في حمأة دفاعكم عن الحُكام العرب ، وخاصة المُتأسلمين منهم.
-إشتد غيظي من اللعين ، وكدت أصفعه ، لولا أنه تنحنح بسرعة ومج من سيجارته وقال:
-حتى وإن كنت على يقين أن أردوغان ، ما كان لينبش التاريخ العنصري للصهيونية بدون التنسيق مع أمريكا وبعلمها ، إنما حين يأتي توقيت إعادة التأكيد على عُنصرية الصهيونية ، إجرامها وفاشيتها في الوقت الذي تجري فيه ترتيبات زيارة الرئيس الأمريكي لأبرز ثلاث دول ""الأردن ، فلسطين وإسرائيل"" ،التي تُشكل في مجملها الخيار بين الحياة والموت ، السلام والحرب ، الأمن والفوضى ، ليس في هذه الدول فحسب ، بل وفي الشرق الأوسط والعالم على حد سواء ، فبهذا يصبح تفجير القنبلة الأردوغانية في هذا الوقت ، في مؤتمر فينا لتحالف الحضارت مُقدمة ذات مغازٍ يجدر التوقف عندها ، تأملها وفحصها وتفسير ما وراءَها.
-فأول ما أراه من غيايات هذه الصعقة ، هو لفت نظر شعوب الربيع العربي لأهمية وضرورة الضغط على حكامهم ، ليستيقظوا ويدركوا أن أمريكا ، حتى أمريكا تريد من الحكام العرب أن يُكشِّروا عن أنيابهم ، يتصلَّبوا في مواقفهم إزاء إسرائيل ، لتشعر إسرائيل بأن الخطر يداهمها ، وأن ثورة الشعوب العربية لن تتوقف قبل تحرير فلسطين.
-هذه المرة أنا من هققه وأبدى السُخرية من كلام اللعين ، وعاجلته بسؤال إستنكاري ، هل يعني أنك تريد إقناعي بأن أمريكا تريد من العرب ، أن يصفوا إسرائيل كأهم ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية بالعنصرية ، الفاشية ، التمييز العنصري ، الجرائم ضد الإنسانية ، وتذَّكِر العالم بالمذابح التي إقترفتها في فلسطين وفي غير بلد عربي...؟ ، أم أنك أيضا تريد نبش قرار المحكمة الدولية تجاه جدار الفصل العنصري ، وربما يشت عقلق وتريد تطبيق وتفعيل معاهدة جنيف الرابعة ، التي يُمكن من خلالها شطب المستوطنات...؟ ، فعلا عجيب أمرك يا معتوه...!
-لم يأبه اللعين بكلامي ، وزيادة في الإستخفاف راح يقول ، بعرف بعرف أنكم جهلة ، وهذه مصيبتي معكم...!
-واو ، واو ، فهل مثلك من يُنكر علينا أننا أمة السيف ، وأننا حررنا القدس من الفرنجة ، وأن جيوش صلاح الدين ما يزال أحفادهم بين ظهرانينا ...؟
-فوجئت حين تحسس فاقد الدهشة جبيني ، ظنا منه أني أعاني من مرض أو صُداع ، ومن ثم شخر ونخر ، وعاد يقول:فعلا أنك تعكس تخلف هذه الأمة ، وليس لديكم سوى كان وكنا ودائما تنظرون إلى الوراء ، وعلى أية حال لقد زهّقتني اليوم وبدي أفرطها معك ، وأدب ما عندي ويجعلك ما فهمت وعنك ما إستوعبت.
-قلت: هذا أحسن ، إحكي وخلصني ، لأني فعلا عندي مشاغل أخرى
-عاد اللعين يقول ، فاهم عليك ، خبز وطبيخ ، هههها...!
-ورُغم علم اللعين أن طقوسه تستفزني ، مارسها وقال: أنا أدرك أن اليهودية العالمية ، هي من تحكم وتتحكم بالمفاصل الحيوية في أمريكا وغيرها ، وأن إسرائيل هي طفل أمريكا المدلل ، لكنك نسيت أن من واجب الأب والأم أن يحموا طفلهم من نفسه ومن عبثه وطيشه ، وهو ما تسعى إليه أمريكا وقد يصل سعيها حد تأنيب طفلها "إسرائيل" ، التي إن لم تتفهم مصلحتها بأن عليها أن تُدرك المتغيرات التي تجتاح الشعوب العربية والإسلامية ، وعليك يا فصيح أن تلاحظ قولي ، تجتاح الشعوب ولم أقل الدول ، لأن هذه المتغيرات ذات أثر سيكولجي ، بمعنى أن هذه الشعوب لم يعُد من السهل إحتواؤها ، بعد أن خرجت من شرنقة الخوف ، الذعر ، التقوقع والإنكماش ، وأن أمريكا وإن تمكنت حتى الآن من إحتواء الربيع العربي ، وسيطرت على الحكام الجدد لحد الإلتزام بمعاهدات السلام مع يهود والإعتراف بالكيان الصهيوني ، فإن لم تقتنص إسرائيل هذه الفرصة وتعقد مع الفلسطيين ، العرب والمسلمين معاهدة سلام الآن ، تُرسّخ بقاء الحكام العرب الحاليين ولو لعشر سنوات قادمة على أقل تقدير ، يتم خلالها عملية تطبيع بين العرب واليهود ، مشفوعة ببرنامج مرشال للشعبين الأهم الفلسطيني والأردني ، ودعم بقية الدول العربية الفقيرة من قبل السعودية ومشيخات الخليج ، فإن لم يتم هذا وبأسرع وقت فإن نهضة الشعوب العربية وحمأتهم الثورية ستفتح على يهود أبواب جهنم ، في الوقت الذي يصعب فيه على أمريكا أن تجتاح الحروب ، الفوضى والخلل الأمني منطقة الشرق الأوسط ، تزامنا مع نهوض مجموعة البرنكس ، وعدم إستساغة الشعب الأمريكي ، الأوروبي والعالمي لمزيد من الحروب في الشرق الأوسط ، وتنامي غضب شعوب العالم ضد إسرائيل وأمريكا بسبب إستعصاء عملية السلام مع الفلسطينيين ومنحهم دولتهم المستقلة.
-كاد كلام فاقد الدهشة وقد جاء مؤطرا بالعقلانية أن يُنسيني السؤال ، عن علاقة كل ذلك بحديث أردوغان ، وما أن هممت بطرح هذا السؤال ، حتى سمعت فاقد الدهشة يقول ، أعرف ما يجول في خاطرك فأردوغان هو الحليف الإستراتيجي لأمريكا وإسرائيل في الشرق الأوسط ، وأنه لم يعن بحديثه مناصبة العداء لإسرائيل ، بقدر ما هو يقوم بدور قارع الجرس ، وبوق إنذار أمريكي للعُصابيين اليهود وغطرسة المتشددين منهم ، الذين يُعيقون عملية السلام مع الفلسطينيين ، والدليل أن كل هذا يتم عشية وصول الرئيس الأمريكي للمنطقة ، وكي لا يُفهم إسرائيليا أنه قادم للإستجمام أو إشتياقا للقاء الأحبة ، فهو قادم لإعادة الصراع الفلسطيني ، العربي والإسلامي مع يهود إلى المشهد الدولي مجددا ، أما حين نقول أن أمريكا تتمنى على الحكام العرب أن يحذوا حذو أردوغان ، فإن مثل هذا الموقف إن تبنته الدول العربية والإسلامية ، فهو سيكون سلاحا بأكثر من حدٍ في يد أوباما ، فبينما يفت في عضد المتطرفين اليهود ، فهو يُشجع المعتدلين ، وغير ذلك هو حجة يضعها أوباما في وجه القيادة الإسرائيلية ، التي ليس في مصلحتها إيصال الشعب الفلسطيني إلى اليأس ، في وقت يُحمحم فيه الفلسطينيون لإشعال إنتفاضة جديدة ، قد تُفقد السلطة الفلسطينية قدرتها على السيطرة الأمنية في فلسطين ""الضفة الغربية وغزة"" على حد سواء ، وهي إتفاضة إن تأججت نيرانها في فلسطين ، فلا شك أنها ستطال شعوب الأمة بأسرها ، وهو ما تخشاه أمريكا على إسرائيل وعلى مصادر الطاقة وبقية مصالحها في المنطقة، ناهيك عن أن هذا الموقف إن حدث فإن فيه محتوى لا يستهان به ، إن من حيث تهدئة الشارع العربي ، ففيه أيضا نوع من الشعبية لأي قائد ومسؤول عربي ومسلم يتبناه ، وهو ما يؤذن بتسهيل وتسييل التسوية السياسية أو عملية السلام بين الفلسطينيين واليهود، التي سيأتي من أجلها إلى المنطقة الرئيس أوباما..!
-وحتى يقطع الطريق عليّ ، نهض فاقد الدهشة للرحيل ، وهو يقول: إن فهمتوا أو ما فهمتوا ، فكله عند العرب قُطين...! وغادر.
نبيل عمرو-صحفي أردني