مدارسنا تنهار

ترددت كثيرا قبل كتابة هذا المقال لأسباب كثيرة ، منها عدم رغبتي في الخوض في موضوع مرتبط بالقضايا التربوية ؛ لأن المنظرين في هذا المجال ما تركوا صغيرة ولا كبيرة إلا وفتحوا لها أبوابا لا تزال مشروعة في إطارات فلسفية لاتسمن ولا تغني من جوع ، في حين أن الواقع يسير بخلاف ما نتمنى والنماذج التي تدمي القلب في مدارسنا أكثر من أن تُحصى . 

واقعٌ تشهده مدارسنا في الوقت الذي يتربع على كراسيِّ صنع القرار في مراكز الوزارة ومديرياتها كفاءات تستحق أن تُحترم في مجالٍ أكاديمي وتربوي يجعلنا نعتقد أن الواقع التربوي في مدارسنا بخير ، وهو اعتقادٌ الوهم سيده والحقيقة بخلافه . 

العجيب في ذلك كله أن جزاء كبيرا من أصحاب صنع القرار في وزارة التربية يعترفون بشكل غير رسمي بالانحدار الذي يزداد كل يوم أقف فيه لأرى كيف أصبح طلبة مدارسنا يفرون وبأعداد كبيرة من الوقوف في الطابور الصباحي ، بل إنهم يختلقون أعاجيب الأعذار ليتم إعفاؤهم من الطابور بل قد يستعينون بآبائهم لإنجاز هذه الرغبة ، مما يدل على ضعف تحقيق نتاجاتٍ وجدانيةٍ لا قيمة لكل نظرياتنا التربوية إن لم تتحقق هذه النتاجات المرتبطة بالوطن وحبه . 

ولكن في المقابل لا يعترف هؤلاء المسؤولون بالأسباب الحقيقية في مأساوية الواقع المدرسي ، ورغم وجود القادة التربويين العارفين بما ينبغي أن تسير وفقه مدارسنا لتصل إلى مرحلة الحياة بعد الموت إلا أن شخوصا آخرين تسللوا إلى بعض مراكز صنع القرار في وزارة التربية من خلال مؤهلات المحسوبية والعلاقات الاجتماعية التي أفرزتها . 
بعض هؤلاء يحمل شهادات عليا ويخطئ في قراءة عنوان كشف علامات قبل أن يوقعه ، ويرفع سماعة الهاتف ليتوسط لطالب قام بالاعتداء على معلم بالضرب ليتم تخفيف العقوبة عن هذا الطالب . 

وأتذكر في هذا الإطار قصة حقيقة حدثت مع أحد مدراء المدارس حين تحدث مع ولي أمر طالب ليخبره بخبر ابنه الذي قُبض عليه بسيجارة داخل دورات مياه المدرسة ليكون رد الأب ( هو امدخن على احسابك ، شو دخلك خلي يدخن ) مع العلم أنني قمت بمراجعة تعليمات الانضباط المدرسي أكثر من مرة باحثا عن أي بند يجرم هذا الفعل فلم أجد . 

أحد المعلمين يعمل في احدى المدارس الحكومية العريقة قال لي : نضطر في كثير من الأحيان إلى تزوير الأوراق التي تُجرم طالبا ما لنتمكن من نقله والتخلص منه والسبب يكمن في تعليمات الانضباط المدرسي التي تبتعد أميلا عن واقع مدارسنا واحتياجاتها . 

وفي المقابل معلم في احدى مدارس عمان الغربية لم يبس ببنت شفة في المادة التي يدرسها رغم أهميتها وبشهادة الطلبة وأولياء أمورهم وزملائه كذلك من المعلمين ، وعند مخاطبة الجهات المختصة يُقال لمدير المدرسة نعلم بأمره ولا نستطيع فعل شيء له (يظهر أن له نفوذا وثقلا !!! ) . 

مثل هذه النماذج تتكرر في مدارسنا ، وربما لو قمت بطلب إيراد مثل هذه النماذج على احدى مواقع التواصل الاجتماعي لورد لي قصصا ونماذج أكثر عمقا وعُجبا . 

وفي ظل هذه المعطيات وغيرها مما لا مجال لذكره حتى لا أدخل في بوتقة التشهير ، أستطيع أن أقول إن مدارسنا تنهار وبالتالي لن تصلح أمور أي مؤسسة من مؤسسات الدولة في ظل انهيار المؤسسة الأولى في بناء الإنسان الذي سيقوم عليه مستقبل البلاد والعباد . 

وختاما أقول : آه يا وطني الجريح عبارة سمعتها كثيرا هذه الأيام بعض من قالها ساسة وبعضهم عوام وحتى الأطفال كانت عيونهم تلفظ هذه العبارة.