رفع الأسعار والنُخب المشلولة

 

 
أتوقع أن تكون الجهات الرسمية فخورة بانجازها الجديد، رفع جديد للأسعار مر من دون ردة فعل قوية وواسعة، وإن كانت هناك عودة إلى المسيرات المعارضة، و بروز أصوات احتجاجية داخل مجلس النواب وخارجه.
لا أقصد التقليل، من مظاهرات يوم الجمعة، بل بالعكس ، فإنه لا سبيل دون استمرار أشكال الضغط الشعبي، لأن أي تراجع في الحراك الشعبي، يعطي قوة دفع لتصميم الجهات الرسمية على "صحة إجراءاتها" و تقليلها من دور وقيمة المعارضة.
لكن الخطة تمشي كما هو مقرر، ولا شيء يعكر صفوها، إلا أنها تحولت إلى رفع أسعار تدريجي، ممتد على فترة أطول إذ وافق صندوق النقد الدولي على تمديدها إلى منتصف العام الحالي، أي إحداث صدمة تدريجية بدلا من صدمة مباشرة، وحتى يزحف الغلاء بدلاً من أن يهبط على رؤوس الناس مباشرة.
السؤال كان منذ البداية، لماذا تكلفتم عناء انتخابات نيابية ، ومصاريفها، وتكلفتها، بالأخص على الدولة، إذا كان كما كنا نتوقع، استمرار السياسات والإجراءات نفسها ؟ ولماذا تتعبوا أنفسكم و تضجرونا بأخبار لقاءات تشاورية لتشكيل حكومة جديدة؟
الجواب هو أنكم أردتم مشروعية وشرعية قرارات متفق عليها، والأمور تُجرى كما التوقعات، من دون تنغيص جدي، فشعارات اربد والطفيلة، قد تكون مزعجة لكنها ، على ما يبدو ليست مزعجة كفاية، لتغيير برنامج رفع الأسعار ووقف الاستهتار بمعاناة فئات واسعة من الشعب.
ويبدو أن جهات دولية، ورسمية استنتجت أن الاستمرار برفع الدعم، بما يعنيه من تدهور الحالة المعيشية، للشرائح الدنيا، خاصة لن يؤثر على الاستقرار، خاصة إذا تم بالتدريج، لكن هذه سياسة قصيرة النظر، لأنها ، لا تأخذ بعين الاعتبار ، تقويض الإحساس بالأمن والأمان المعيشي وتأثيره على تفاقم أزمات مجتمعية، لأن جل الاهتمام الرسمي ارتكز على قمع وعزل الحراك الشعبي.
السياسات القصيرة النظر ليست بمفاجئة، لكنها وصلت نقطة نوعية من درجة تخلي الدولة عن مسؤولياتها تجاه المواطن، لأنه لا يوجد اعتراف بحقوق مواطن أو مواطنة أصلاً، لأن العقلية المهيمنة، تعتمد على سياسات الإخضاع و التطويع ومناورات كسب الوقت، وكأن صمت المواطن هو أهم انجاز يثبت كفاءة ومهارة الحكومات، تتنافس عليه تنافساً، لتطيل عمرها و تقصير عمر صحتنا.
لذا فلا حل من دون اتفاق على برنامج وطني ، للحراك والأحزاب السياسية، والقوى الوطنية، فلن يتغير أي شيء من دون ضغط حقيقي ، مرفق برؤية اجتماعية اقتصادية تتحدى مفهوماً وعملاً السياسات الجائرة.
فليس صحيحا أنه لا توجد بدائل، لكنه يجب أن يتم تقديمها ضمن برنامج متكامل، وبقوة وتصميم لا بخجل، أو الاكتفاء بصوت شجاع يرتفع هنا أو هناك، يتشتت تأثيره ويعطي المجال للإدعاء بأن المعارضة ليس لها بديل وكأن السياسات المفروضة أثبتت نجاحاً عالميا باهراً ،و ليس الفشل،كما تدل المظاهرات والمسيرات في أكثر من دولة رأسمالية و"نامية" سواء.
اقترح عقد مؤتمر وطني؛ ليس في فندق خمسة نجوم، لوضع سياسات بديلة، وتقديم حلول عملية، خاصة أن العالم مليء بالاقتصاديين ، الذين لم يقوموا بنقد السياسات المفروضة عالمياً، بل لتقديم رؤى تعتمد على تعزيز التنمية الاقتصادية، ووضع أسس لإعادة توزيع الدخل وتدعيم دور الدولة في الرعاية الاجتماعية.
وفي الأردن عقول، إذا اجتمعت وتحلت بالشجاعة الكافية، وضع اقتراحات تتناسب، مع ظروف البلد السياسية والاجتماعية، لكن من الأسهل الاستهزاء بالحلول البديلة، واستبعادها، والانشغال، كما انشغلت الكثير من النخب في الأسابيع الأخيرة بقصص تشاورات حول رئيس وزراء جديد، غير مقرونة بأي تفكير جديد.
لكن يبدو ؛ حتى النخب لن تتحرك من دون ضغط شعبي، من السهل، و من الواجب نقد الحراك، لكن النخب هي المسؤولة عن ترك شباب الحراك، يجتهدون ويخطئون، ومواجهة القمع والتهميش لوحدهم، في حين تنشغل النخب في تداول أسماء رؤساء وزراء، في لعبة نفوذ وهمية لتعفي نفسها من استحقاقات فكرية وعملية، فتغدو متواطئة لا معارضة - وفي الذنب مشاركة.