حتى لا ندخل مرحلة العد العكسي

اظهرت ارقام رسمية انخفاض الصادرات الوطنية بشكل مستمر خلال الشهور الاربعة الاخيرة من العام الماضي، بينما ارتفعت المستوردات الى مستويات قياسية، وادت هذه الارقام الى ارتفاع العجز التجاري ( الفارق بين الصادرات والمستوردات)، بنسبة 2ر17 % لعام 2012 وبلغ 9092 مليون دينار بالأسعار الجارية مقارنة مع 6ر7755 مليون دينار مقدار العجز في العام2011، وحسب ارقام دائرة الاحصاءات فإن نسبة تغطية الصادرات الكلية للمستوردات انخفضت الى1ر38% مقارنة مع3ر42% لعام2011 بانخفاض مقداره 2ر4 نقطة مئوية. 

اتساع نطاق الفجوة التجارية في الاقتصاد تنذر بعواقب وخيمة على المدى المتوسط ( 3 - 5 ) سنوات، وتؤدي الى استنزاف الاحتياطي الجاهز من العملات الاجنبية، وتضعف الاستقرار المالي والنقدي، وتلحق اضرارا بالغة بالصناعات المحلية والخدمات التصديرية، وتترك الاقتصاد في حالة انكشاف يصعب معالجتها، وهذه الفجوة تعد من الاختلالات المزمنة في الاقتصاد الوطني، حيث لم تستطع الحكومات المتعاقبة وضع سياسات كلية لتشجيع الصناعة بخاصة التصديرية، ومارست سياسة انتظارية مع بعض الاجراءات الوقتية التجميلية في عالم سريع التغير.

الاهتمام بالمحافظة على تنافسية الوحدات الانتاجية المحلية ( السلعية والخدمية ) كان اخر شيء مهم امام المسؤولين، وكانت الاولوية لسياسات الانفتاح وازالة القيود الجمركية وغير الجمركية امام المستوردات بمعزل عن جهود وطنية حقيقية لدعم الانتاج الوطني، وهذه السياسات الممتدة ساهمت في تشوهات الانماط الاستهلاكية التي حولت البلاد والعباد امام رحمة المستوردات، والامثلة على ذلك كثيرة الثنائية منها والمتعددة الاطراف في مقدمتها الشراكة الاردنية الاوروبية ضمن اطار الشراكة الاورومتوسطية 

(Euro-Mediterranean Partnership)، واتفاقية المنظمة التجارة العالمية ( WTO )، حيث انخفضت صادراتنا الى دول الاتحاد الاوروبي، وسجلنا اجتياحا لا يرحم لمنتجات الدول الصناعية او تلك التي تدعم بشكل غير مباشر منتجاتها جراء تدني كلف الطاقة والاموال.

جوهر المشكلة ،،، الحكومات نظرت بعين واحدة للاقتصاد ورفعت تكاليف الاموال على الصناعة وألغت رخصة بنك الانماء الصناعي، وتركت القطاع مكشوفا امام مصادر التمويل من حيث الكلف والاموال المتاحة امامه، اما القطاع الزراعي يعاني الامرين من حيث توفير الاموال والتقنيات الزراعية المتطورة، بينما حال المشاريع الصغيرة والمتوسطة اصعب، وينطبق عليها المثال القديم ( نسمع جعجعة ولانرى طعنا) فالكلف لهذه المشاريع مرتفعة للغاية تتجاوز في بعض الاحيان 20% سنويا، مع نقص الاموال المخصصة لها.

الحكومات المتعاقبة بدون استثناء تتحدث عن دعم المحروقات والطاقة، وترفع الاسعار وفق متوالية مرهقة، وتمسك هذا الملف بتفرد غريب، وللخروج من هذه المعضلة عليها ان تترك للقطاع الصناعي حرية استيراد المحروقات الخاصة بمصانعه، وتوليد الطاقة الكهربائية التي يحتاجها، عندها تخرج الحكومة من قسم مهم في هذا الملف الذي يتضمن خفايا الداعم والمدعوم، عندها سنجد تعزيز تنافسية القطاع الصناعي بما يساهم في تضييق الفجوة التجارية ...ويبعد الاقتصاد عن الدخول في مرحلة العد العكسي التي قد تدخلنا في نفق مظلم.